13 سبتمبر 2025

تسجيل

الحل الممكن في سوريا: واقعيةٌ أم تفريط؟ (2)

22 مايو 2016

من أسهل الأمور أن يتجنبَ المرء فتح هذا الملف، ويكتفي بالنظر إلى المشهد السوري الراهن بصمت. صحيحٌ أن كل مبادرةٍ أو اقتراح للفعل البشري في هذا الإطار سيكونان عرضة للخطأ والانتقاد، إما بوجه حق، أو على سبيل المزاودة وبيع الوطنيات. ولكن، لا حلﱠ مثاليًا في سوريا اليوم، خاصة لمن لا يزالون مؤمنين بأن جوهر ماجرى ويجري فيها هو ثورة، وأن أقل ما يمكن فعله لتأكيد ذلك الجوهر هو استمرارُ المحاولة والمبادرة. صحيحٌ، أيضًا، أن هذا قد يوحي بالعمل وفق مقولة "لابد أن نفعل شيئًا مهما كان" بمعناها التقليدي.. لكنه ليس كذلك. والحقيقة أن ثمة معنيين مختلفين، جدًا، لتلك المقولة، عندما نُغادرُ النظرية إلى التطبيق. في أحدهما، يختبئ إقرارٌ شنيعٌ بالهزيمة والاستسلام وراء الكلمات. لا قدرة على الفعل البشري هنا، على الإطلاق، وإنما شعورٌ بالعجز الكامل والنهائي يبحث فقط عن مخرجٍ للتعبير عن نفسه.بينما ينطلق المعنى الثاني من إيمانٍ عميق بالقدرة على الفعل البشري، مهما كانت الأحوال. أن نتجمد جميعًا، كسوريين، أمام الواقع، في حالةٍ من الذهول الجماعي، هو جوهر العجز الإنساني في هذا المعنى. هنا، نعترف بأخطائنا، ونتعلم من تجاربنا، وندرك ضعفنا، ولا نُخفي تَعَبَنا الكبير، لكننا لا ننكسر، بل نبقى نحاول.نعم. السوريون مُتعبون. وبملايينهم في الداخل والخارج، تحت جحيم القصف، أو في مخيمات النزوح، أو حتى في الشقق المكيفة لمنافيهم القسرية أو الطوعية، يشعرون جميعًا بقهرٍ إنساني لا يمكن أن يتخيله شعبٌ آخر. ثمة ألمٌ خاصٌ جدًا مسجلٌ باسم كل من يعاني في الداخل بالتأكيد، لكن من الإجحاف، والجهل بطبيعة الإنسان، الاعتقاد بأن المأساة السورية لم تتغلغل في مسام كل سوريٍ على هذه الأرض، بشكلٍ من الأشكال، وأنه يُعايشُ مذاقها الحاد والمؤلم، ليلَ نهار، بطريقته الخاصة.من هنا، يكاد يصبح طبيعيًا ألا تشعر بالحاجة لأن تلوم سوريًا إذا انتقدَ أو اتهمَ أو هاجمَ من يحاول أن يُبادر في مثل هذا المقام. فالواقع يضع أصبعه في عينيك مؤكدًا أن أي مبادرةٍ ستتقزم أمام ما يرى السوريون أنه الثمن الهائل الذي دفعوه.ومن هنا تحديدًا، نواصل الحديث عن عملية تقديم (البديل) لبشار الأسد ونظامه في سوريا، بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ، ولأطراف النظام الدولي ذات العلاقة. على الأقل، كملفٍ يجب فتحه والحديث فيه تحت ضوء الشمس. لا ينبعُ هذا من سذاجةٍ تُغفلُ وجود معادلةٍ أكبر من الأسد في خلفية الأحداث. وإنما على العكس من ذلك، يرمي الحديث إلى التركيز على هدفٍ مهمٍ ومحدد وممكن التحقيق، واستبدال عنصرٍ بعنصر، في تلك المعادلة التي لا يوجد فيها ثوابت. وبجميع الحسابات، سيكون وجود عنصر (سوريا من دون الأسد ونظامه) في المعادلة أفضل لسوريا والسوريين من بقاء عنصر (سوريا الأسد) فيها. وتصبح مهمة السوريين أن يُثبتوا أن هذا سيكون، أيضًا، أفضلَ للجميع. (سوريا من دون الأسد ونظامه) هي سوريا التي تساهم في محاربة التطرف والإرهاب الحقيقيين. وهي التي تعيش في رحابها الأقليات بأمنٍ وسلام، بعد صيرورة عدالةٍ انتقالية بالمقاييس العالمية. وهي سوريا التي تعيش حالة "اللاحرب" مع إسرائيل. لا نتهرب من كلمة السلام لأننا نصف الواقع أصلًا، ولأن إسرائيل تُفضل فيما يبدو تلك الحالة لحسابات معينة، وإلا، لقبلت "مبادرة السلام العربية" المطروحة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان. وفي جميع الأحوال، ثمة إجماع بين السوريين على أولوياتهم لمرحلة ما بعد الأسد ونظامه. وإذ يُركزُون على إعادة بناء بلدهم من الخراب الكامل فسيبقونَ مستغرقين في هذه المهمة لعقود. وإذا احتمل الوضع أربعين عامًا من حالة "اللاحرب" في الماضي، مع أنظمةٍ تاجرت بالموضوع فوق جماجم السوريين، فإنه يحتمل الانتظار أربعين عامًا أخرى، تقرر بعدها أجيال ذلك الزمن ما تريد.الكلام حساسٌ جدًا وشائك. إنه "الفيل الذي لا يتحدث عنه أحدٌ في الغرفة" كما يقول المثل الإنجليزي. ولا أحد مفوضا بأن يتحدث باسم السوريين، ونحن لا نملك ادعاء ذلك هنا، لكن هذا ينطبق على سوريين يرون عكس الرأي المطروح هنا أيضًا. وبقدر ما سيرى بعض السوريين أن في هذا الطرح تفريطًا، سيرى فيه سوريون آخرون مواجهةً مع النفس والعالم آن لها أن تحدث، بمعرفة الجميع، وبعيدًا عن الغرف المغلقة، في محاولة للإجابة على الأسئلة الكبرى المتعلقة بحاضر سوريا ومستقبلها، وإنسانها قبل كل شيء. ومع التأكيد على ضرورة مشاركة جميع السوريين في الحوار بكل طريقة ممكنة، فإن مسؤوليةً كبرى تقع على عاتق المثقفين والكتاب والخبراء والنشطاء ورجال الدين السوريين، بعيدًا عن حالة الذهول الجماعي التي باتوا جزءًا منها. يمكن جدًا لهؤلاء أن يرفضوا مجرد مناقشة هذا الموضوع من أساسه، لكن عليهم، عندها، أن يطرحوا على السوريين ما يجب أن يحصل بدلًا من ذلك.