14 سبتمبر 2025

تسجيل

الشراكة الإستراتيجية بين تونس وأمريكا

22 مايو 2015

تعود العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتونس إلى بداية القرن التاسع عشر، من الناحية التاريخية تشبه زيارة الرئيس التونسي الحالي السيد الباجي قائد السبسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية نفس الزيارة التاريخية التي أدّاها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة إلى أمريكا سنة 1961 والتي تلاها تدعيم لموقع تونس المستقلة ورفع الضغوط المسلطة عليها خاصة من فرنسا، إذ استغل بورقيبة الصراع التنافسي بين أمريكا القوة الدولية الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية، وفرنسا القوة الاستعمارية الآيلة للأفول، لكي يحصل على الدعم الأمريكي، وسيل من المساعدات والإعانات الأمريكية للشعب التونسي، لا سيما أن الإدارة الأمريكية في حينها كانت داعمة للاستقلال التونسي وللدولة التونسية. واليوم تتشابه الأوضاع فمن تونس المستقلة والباحثة عن بناء دولتها الحديثة وتعزيز علاقاتها الدولية إلى تونس الثورة حيث تتطلع إلى آفاق أرحب خاصة في تنفيذ استحقاقات الثورة الاجتماعية والاقتصاديّة ومواصلة تأمين مسارها في تجربة الانتقال الديمقراطي. فهل يُعيد السبسي ملحمة الرئيس بورقيبة الذي أحسن استثمار الواقع الدولي في ستينيات القرن الماضي ليُحرز لبلده الموقع والدعم اللازمين لدولة فتية وناشئة؟. علما أن قائد السبسي سيلتقي خلال زيارته للولايات المتحدة بالرئيس أوباما ونائبه وبوزراء الخارجية والمالية والدفاع الأمريكيين وعدد من نواب الكونجرس الأمريكي، كما ستكون له فرصة التواصل مع بعض المؤسسات والمنظمات الأمريكية الفاعلة من الناحية الاقتصادية ومع عدد من المستثمرين الأمريكيين.يُذكر أنّ حجم الاستثمار الأمريكي في تونس لا يتجاوز في الوقت الراهن 61 مليار دولار. وقد تم التوقيع في هذه الزيارة التاريخية على مذكرة الشراكة الإستراتيجية بعيدة المدى بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية والأمنية والدفاعية.. وجاء في نص المذكرة أن مكتسبات الثورة التونسية والانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس تمثل فرصة غير مسبوقة لإرساء تعاون أكثر صلابة وتنوع بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية. كما تؤكد ذات المذكرة على التزام الجانبين التونسي والأمريكي بضمان أمن البلدين من ذلك أنها تنص على التزام الولايات المتحدة الأمريكية دعم القدرات الأمنية والدفاعية لتونس وعلى مزيد تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال برامج تمويل اقتناء التجهيزات العسكرية وبرامج التكوين العسكري والأمني. كما تنص المذكرة على تدعيم التعاون في مجال التعليم العالي وفي الميادين العلمية والثقافية إضافة إلى إحداث لجنة اقتصادية تضم القطاعين العام والخاص بالبلدين على أن تجتمع بصورة دورية في تونس وواشنطن لبحث سبل دفع المبادلات التجارية الثنائية والنهوض بالاستثمار. وتولى التوقيع على هذه المذكرة من الجانب التونسي محسن مرزوق الوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية وعن الجانب الأمريكي جون كيري وزير الخارجية. وما يهم الولايات المتحدة الأمريكية من تونس، والذي يبقى دائما ضمن الاتفاقيات السرية غير المعلنة، هو حرص الإدارة الأمريكية على أن تمنحها تونس قاعدة عسكرية على أراضيها، إقامة قيادة عسكرية أمريكية (أفريكوم) في تونس، لاسيما بعد أن رفضت الجزائر هذا الطلب الأمريكي. دخلت السياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة جديدة من العلاقات مع تونس ومع بلدان القارة الإفريقية، بعد أن ابتعدت أكثرية الدول الإفريقية عن الاقتصاد الموجه شيئا فشيئا، حين كانت الدولة المركزية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، في الاقتصاد والمجتمع، وتعلن عن الخطط الخمسية الطموحة للتنمية، وهي في كثير من الأحيان تتبنى الاشتراكية ذات الخصوصية الوطنية. ويركز الخطاب الأمريكي الحالي على فشل العقود الماضية التي تلت سنوات الاستقلال للبلدان الإفريقية، وعلى فشل مختلف » نماذج« التنمية في تونس وبلدان إفريقية أخرى، التي اتسمت بهيمنة الحزب الواحد، الشمولي والرئاسة مدى الحياة. وإذا كان الخطاب الأمريكي يطنب في الحديث عن التجربة الديمقراطية الناجحة الوحيدة في بلدان ما يسمى «الربيع العربي»، فإن الولايات المتحدة دعمت طول سنوات النظام الديكتاتوري السابق، والذي اتسم عهده بانتشار الفساد في معظم الحكومات، وبغياب القانون، وبتغليب مصالح المافيات على مصالح الشعب. والإدارة الأمريكية تغمض عينيها عن أماكن كثيرة تمارس القمع والإكراه، ولكنها معمدة بالمياه الأمريكية، ومحمية بروح البيت الأبيض المقدس، مثل نظام بن علي السابق الذي له مفهومه الخاص للديمقراطية، يقوم على تفضيل الحزب الواحد، ويعتبر حزبه هو الحزب الشرعي الوحيد، لأن ما يهمها بالدرجة الأولى هو التجارة، واندماج تونس في دواليب الاقتصاد العالمي. والرئيس باراك أوباما يريد أن يطبق القانون التجاري مع تونس، والذي يندرج ضمن سياسة الولايات المتحدة الجديدة في إفريقيا والتي تعتمد على المشاركة لا على المساعدة (Trade- -Notaid) وعلى إزالة الحواجز الجمركية الأمريكية عن صادرات تونس، كما يفتح تونس للاستثمارات الأمريكية شريطة أن تتبع الليبرالية الاقتصادية وتخضع لقوانين صندوق النقد الدولي، وذلك بدلاً من سياسة المعونات. كما يؤكد كبار الساسة الأمريكيون أن الموجة الجديدة من الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، واقتصاد السوق يجب أن توضع موضع التنفيذ، وعلى الولايات المتحدة أن تلعب دوراً رئيسياً في تغيير تونس على الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية، باعتبار أن هذا الدور ضروري لتسريع عملية اندماج تونس في الاقتصاد العالمي، ولخدمة مصالح الولايات المتحدة. وهذه السياسة تقوم على تفكيك الدولة التونسية نفسها، وتسليم مهامها ووظائفها لتتولاها الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، أو المؤسسات المالية الدولية التي تتكلم باسم هذه الشركات العملاقة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتظل تونس شريكا اقتصاديا صغيراً الحجم بالنظر إلى حجم تجارة الولايات المتحدة مع العالم.أما المساعدات الخارجية الأمريكية، فهي في نقصان مستمر منذ سنة 1985، وشهدت السنوات الأخيرة تراجعاً تدريجياً في المساعدات الأمريكية للخارج. والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لتونس، في إطار التعاون لا تتجاوز 180 مليون دولار، وهو مبلغ يمكن أن يقدمه الملياردير التونسي سليم الرياحي، لو كان حريصاً على تنمية الرأسمالية الوطنية في تونس. وفي عصر العولمة الرأسمالية الجديدة، يتحدد نجاح أو تهميش الاقتصادي التونسي، بالعلاقة التي توجد ما بين التجارة الخارجية والناتج الوطني الخام، وبحجم المنتجات الصناعية من مجموع الصادرات، وبحجم الاستثمارات الأجنبية، والقدرة على وفاء الديون.والحال هذه، فإن » المساعدات « الغربية تشكل المقوم الثاني في تشكيل الناتج الوطني الخام في تونس، باستثناء جنوب إفريقيا. وهذه المساعدات التي تمنحها الولايات المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي تمثل في حد ذاتها صناعة استثمارية. لأن المستدينين مطالبون بفتح اعتمادات، يستخدمونها لاستيراد الخيرات الاستهلاكية والخدمات من الدول الرأسمالية الغربية، ومن أجل تنفيذ مشاريع لا تلبي حاجيات التطور المحلية للدولة التونسية. الإعلانات عن المساعدات الأمريكية لتونس لتحسين الأوضاع في مجالات التعليم والقضاء والتجارة والبيئة، ما هي سوى قطرات لتسكين الأوجاع المزمنة. وإذا كانت شروط المعونات الاقتصادية الأمريكية لتونس هي مناهضتها للأحزاب الشيوعية والقومية وعداؤها للاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، فإن الشروط الأمريكية الحالية تتمثل في إزالة الحواجز من جانب تونس أمام التجارة الحرة، ثم تضييق تدخل الدولة في الاقتصاد، وتقويض القطاع العام وتمليكه للقطاع الخاص، وإصلاح أجهزتها وأنظمتها الإدارية والمالية والمصرفية بحيث تتقبل الاستثمارات الأجنبية الخاصة، وتضمن للشركات عبر القومية المتعدية الجنسية الضخمة، إخراج الأرباح والرساميل المستثمرة في التجارة والصناعة، واندماج تونس في عجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي أي العولمة، بعد أن تم تحرير الاقتصاد والتجارة فوراً ودون تدرج أو تقسيط زمني، بما يعني تعرية الاقتصاد الوطني الهش بطبيعته وتجريده من الحماية الجمركية أمام المنافسة الخارجية.