18 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة الدينية

22 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مصطلح الدولة الدينية من أبرز المصطلحات التي استخدمها قطاع كبير من الإعلاميين والساسة لتفزيع الجماهير من الدولة في الإسلام، زاعمين أن الدولة في المنظور الإسلامي تعني إقامة دولة دينية على غرار الدولة الدينية التي عرفت عند الغرب المسيحي في القرون الوسطى باسم الحكومة الثيوقراطية حين كان يحكم رجال الدين المسيحي باسم الحق الإلهي أو بتفويض من الإله، ويستمدون شرعيتهم من الله، ويتلقون تشريعاتهم وقراراتهم – بزعمهم - من الله، وكانت لهم القداسة والعصمة.لا مجال في هذه الدولة الدينية عندهم لرأي، ولا صوت فيها للعلم ولا للتفكير، وكل من سلك طريق العلم فمصيره المحتوم القتل أو الحرق أو كلاهما، وما حادثة جاليليو جاليلي منا ببعيدة حين قال بكروية الأرض فحكم عليه بالكفر والزندقة، ومن ثم أعدم وأحرقت جثته. وقد كان لمصطلح الدولة الدينية ظلال مخيفة ورهيبة في ذاكرة التاريخ، وفي نفوس الملايين، ويكفي أن تذكر هذا المصطلح بظلاله القديمة عند الغرب لتنفر الجماهير من مفهوم الدولة في الإسلام.وإذا أردنا تحرير موضع النزاع لنحدد جوانب الاتفاق والاختلاف فإننا نقول: لا تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات، ولا تضرنا العناوين متى وضحت المضامين، والعبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.. قولوا لنا ماذا تقصدون بالدولة الدينية نقل لكم نتفق معكم أو نختلف.•فإذا كنتم تقصدون بالدولة الدينية ما ذكرت آنفا فإني أقول لكم هذا التصور غير موجود في الدولة الإسلامية أو الدولة الدينية التي تتبنى الإسلام مصدرًا ومرجعًا وموجهًا.فإن الحاكم في الدولة الإسلامية إنما هو بشر ليس بملك، وليست له عصمة ولا قداسة، يصيب ويخطئ، يحسن ويسيء، وهذا ما صدع به الخليفة الأول أبو بكر الصديق في أول خطبة خطبها حين قال:(إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) وهو ما عناه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حين قال: (أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجًا فليقومه) فقال رجل: (لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا).كما أن الحاكم في الدولة الإسلامية ليس وكيلاً عن الله أو مفوضًا من الله، إنما هو وكيل عن الأمة تختاره بإرادتها الحرة، وتراقبه وتحاسبه وإن اقتضى الأمر عزله تعزله.. فالشعب هو الذي يأتي به، وهو الذي يذهب به.•أما إذا أردتم بالدولة الدينية أنها ضد الدولة اللادينية أي ضد الإلحاد والزندقة فأنا أتفق معكم.. فالدولة الدينية لا تعرف الإلحاد وتقر للخالق المعبود بربوبيته، وتذعن لألوهيته.•وإذا أردتم بالدولة الدينية أن شعبها صاحب دين، وأن أهلها أصحاب ديانة، فأنا أيضا أتفق معكم، ذلكم لأن المسلم صاحب دين، والمسيحي صاحب دين، واليهودي صاحب دين، وحيثما قامت دولة لصنف من هؤلاء أو تجمعهم جميعًا تحت سماء واحدة فهي بلا ريب دولة دينية.•أما عن مصطلح الدولة المدنية فإذا أردتم به عكس الدولة العسكرية، فأنا أيضا أتفق معكم، لأن العسكر لا يجوز أن يكونوا طرفا في المعادلة السياسية، لأن دخولهم طرفا فيها يفسدها، وميولهم لفصيل على حساب آخر يقلب موازين القوى لأنهم يمتلكون الآلة العسكرية والقوة المادية، وبذلك يحسم ميدان التنافس بطريقة غير دستورية، وهذا يخل بمبدأ الديمقراطية، ويصادر حق الشعوب وحريتها في التعبير عن إرادتها واختيار من تريد، ويقلب كذلك موازين العدالة، ويصبح الجيش على هذا النحو جيشا حزبيًا لا جيش دولة، وجيشًا طائفيًا لا جيشًا مهنيًا وحرفيًا، وبذلك ينحرف عن مساره الصحيح، ورسالته المقدسة في حماية الثغور وتأمين الحدود ورد الاعتداء الخارجي.أما إذا أردتم بالدولة المدنية أي يحكمها مدنيون فهذا أيضا محل اتفاق، وكل مؤهل من مواطني الدولة له هذا الحق، وصندوق الاقتراع هو الذي يشهد له أو عليه.أما إذا كنتم تريدون بالدولة المدنية المعنى الذي هو ضد الدولة الدينية بالمفهوم الأوروبي في العصور الوسطى، فقد فصّلت في ذلك آنفًا.فأي المعاني للدولة الدينية والدولة المدنية أردتم؟ وإلي أي الدلالات لمصطلح الدولة الدينية والمدنية ذهبتم؟ والقول الفصل للجماهير المتعطشة لتحرير المصطلحات ومعرفة الحقائق.