13 سبتمبر 2025

تسجيل

كانوا يسارعون في الخيرات

22 أبريل 2021

شعور لا يوصف. إنه شعور العطاء، وليس أي عطاء، بل ذاك الذي يأتي في المكان والزمان المناسبين، ولمستحقها فعلاً. شعور يغلب عليه الارتياح والفرح والسعادة تجده وقد غمرك كاملاً، حين تجد نفسك أسرعت في تقديم خير ما، مهما يكن نوعه، قولاً كان أم عملاً طيباً. وما ذاك الشعور الذي يسري بالنفس بعد عمل الخير، إلا لأنه جاء في لحظة توافق رائعة مع الفطرة الإنسانية الطيبة المحبة للخير، وما التغيير الذي يطرأ على تلك النفس حين تسلك مسلكاً يتصادم مع الفطرة السوية المحبة للخير، إلا بسبب وجودها ضمن بيئة شحيحة بخيلة أو تعيش في محيط صلب لا يعرف الرحمة، بل ويمنع الخير. قال الحسن البصري رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره. ذلك أن المسارعة إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، من أخلاق المؤمنين الصادقين وطبائعهم الطيبة الراقية. مثل هذه الأعمال دلالة على رجاحة العقل وسلامة القلب، فإن فعل إتيان الخير هو نموذج رائع لقيمة العطاء، باعتبار أن العطاء غالباً ما يكون أصعب وأشق على النفس من الأخذ. حديثنا ليس عن فعل الخير، فهذا أمر تفعله كل نفس طيبة بشكل تلقائي، وتدعو إليه النفوس الطيبة، لاسيما في أزمنة طيبة كشهرنا الطيب هذا والكريم. لكن حديث اليوم حول خطوة متقدمة في عالم الخير والعطاء، هي المسارعة إلى الخيرات. آمنوا وعملوا الصالحات كثيرون منا ربما عقد أو ما يزال يعقد العزم والنية على عمل الخيرات وترك المنكرات بأنواعها. لكن مع ذلك العقد والعزم والنية، لا تجد ما يعكس ذلك على أرض الواقع. أي أنك لا تجد العمل الذي يصدق تلك النية وذلك الإيمان.. فماذا يعني ذلك؟ لاحظ معي أن الله سبحانه وتعالى لا يذكر الإيمان هكذا منفرداً في القرآن إلا ويقترن بالعمل الصالح. تلك الثنائية دلالة على أن الإيمان لوحده لا يكفي، ولا يدل أنه استقر في القلب أو قادر على تحريكه وبقية الجوارح نحو سلوكيات تتجسد على أرض الواقع في صورة أفعال وأقوال طيبة خيّرة، تعود على الشخص ومن معه وحوله بالخير كذلك. نعم، لا ينفع إيمان دون أعمال محددة تؤكد عليه. بمعنى أن الإيمان إن لم يقترن به عمل محدد سماه القرآن بالصالح، فلا فائدة منه. والعكس كذلك صحيح. أي أن العمل الصالح الذي لا ينطلق من ايمان صادق واحتساب أجره الأخروي، فلا فائدة منه كذلك ولا يُرجى منه في تحقيق النهاية المرغوبة لكل مؤمن، وهي رضا الله ودخول الجنة بغير حساب أو سابق عذاب. وقد نبهنا الله إلى ذلك بقوله ( فمن كان يرجو لقاء ربه ) أي وحتى يتحقق اللقاء مع الله سبحانه، لابد من تحقيق أمرين ( فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ). عمل صالح، وايمان يجعل القلب يقظاً حذراً من أن يشرك بالله شيئاً. بادروا بالأعمال سبعاً بعد الإيمان والعمل الصالح، نأتي إلى الفعل المتقدم من العمل الصالح وهو المسارعة إلى عمل الخير. وقد تتساءل ها هنا وتقول: لم العجلة والمسارعة؟ والجواب باختصار، أن الإيمان حين يستقر بالقلب، تراه يحثه حثاً نحو عمل الخير في أوانه وقبل فوات المزيد من الأوان. وقد تقول لي مرة أخرى: أي أوان؟ فأقول لك: إنه العمر يا صديقي. فمن يضمن أنه سيعيش عمراً مديداً يحقق كل مبتغاه وأمنياته، بغض النظر إن كانت في الخير أو خلافه؟ لا أحد يضمن ذلك أبداً. الحكمة والكياسة إذن، أن يبادر المؤمن إلى كل عمل يقربه من الله. وفي الحديث، نجد سيد الأولين والآخرين يحثنا على المسارعة إلى فعل الخيرات قبل أن تشغلنا شواغل الدنيا، بقوله:" بادروا بالأعمال سبعاً. هل تنتظرون إلا فقراً مُنسياً، أو غنى مُطغياً، أو مرضاً مُفسداً، أو هَرَماً مُفنِّداً، أو موتاً مُجهزاً، أو الدجال، فشر غائب يُنتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر؟ كلام مختصر بليغ فيه حث على عمل الخير، والمسارعة إليه قبل أن يدرك الإنسان أياً من تلك الأمور السبعة.. فقرٌ ينسي المرء نفسه قبل غيره، أو غنى لا توجد أي ضمانات على أن الغني لن يطغى بعد الغنى، أو مرض يفسد على الإنسان حياته، أو بلوغ سن الهرم، حيث يحتاج المرء نفسه حينذاك إلى من يرعاه، أو هادم اللذات، في صورة موت سريع أو فجائي والعياذ بالله.. إنك حين تقوم بالعطاء والمسارعة إلى الخيرات، فإنما تثبت ها هنا أنك - بالإضافة إلى صدق الإيمان الذي وقر في قلبك - مفتاحٌ للخير، مغلاقٌ للشر، كما بالحديث:" إنّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ". إضافة إلى ذلك كله، المسارعة إلى فعل الخيرات والاستمرار عليها، تدخلك تحت مظلة الآية القرآنية العظيمة (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين). أي مديح أجمل وأفضل من أن تكون من أئمة الخير، تسير وفق ما أمر الله، فيعطيك المولى عز وجل نتيجة ذلك وحياً من عنده إلى فعل الخيرات، ما يعني الاستمرار، وبالتالي المزيد من الرضا والبركات عليك، من ذلك استحقاقك لنعمة أخرى من نعم الله التي لا تُعد ولا تُحصى، هي نعمة الحرص على الصلاة وإيتاء الزكاة، لتدخل بعد ذلك ضمن قائمة العابدين، وما أجملها وأزكاها من قائمة. وهل منا من لا يرضى أن يكون اسمه ضمن تلك القائمة؟ جعلنا الله وإياكم ضمنها، وحشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا. [email protected]