15 سبتمبر 2025
تسجيلكان جمود الفقهاء المتأخرين وسدهم باب الاجتهاد، وعدم مواجهة الفقهاء لما جدَّ من قضايا ومشكلات واجهت العالم الإسلامي في القرون الأخيرة ذريعة لبعض الحكام بررت لهم ترك الشريعة الإسلامية والأخذ بالتشريعات والقوانين الغربية. وقد بدأ العثمانيون يأخذون ببعض التشريعات والقوانين الغربية قبل سقوط الخلافة الإسلامية، ففي عام 1850م، أصدرت الدولة العثمانية قانون التجارة نقلا عن القانون الفرنسي. وفي عام 1858م، أصدرت قانون الأراضي ثم وضعت قانون الجزاء نقلا عن القانون الفرنسي ثم أدخلت عليه تعديلات كثيرة – فيما بعد – عن القانون الإيطالي. وقد جاءت بعض نصوص هذه القوانين متمشية مع الشريعة الإسلامية وبعضها الآخر مخالف لها، ومن ذلك فإن قانون العقوبات لم يقر العقوبات الشرعية كقطع يد السارق والجلد وما أشبه ذلك. وكذلك أجاز قانون أصول المحاكمات الحقوقية الفائدة في المعاملات المالية مما يتعارض مع تحريم الربا. أما في ميدان القانون المدني، فقد عينت الدولة العثمانية لجنة ألفت ما عرف بمجلة (الأحكام العدلية) التي تم ترتيبها عام 1876م، وتتناول أكثر أبواب فقه المعاملات آخذة بالمذهب الحنفي على الأغلب مع الأخذ ببعض الآراء من المذاهب الأخرى أحيانا، وفي عام 1917م أصدرت الدولة العثمانية قانون العائلة الذي تناول الأحوال الشخصية آخذاً بمذهب أبي حنيفة مع الأخذ ببعض المذاهب الفقهية الأخرى أحيانا. وفي عام 1924م، ألغيت الخلافة العثمانية وألغيت معها المحاكم الشرعية، وفي عام 1926م، تبنت تركيا قانون الموجبات للاتحاد السويسري ثم القانون المدني السويسري كما ألغت مجلة الأحكام العدلية وجميع الأحكام الشرعية الإسلامية. أما في مصر فقد كانت القوانين العثمانية معمولا بها لكونها جزءا من الدولة العثمانية، ولكن محمد علي باشا أنشأ عدة مجالس بجانب المحاكم الشرعية أخذت كثيرا من اختصاصها، ففي عام 1245 هـ، سُن قانون لضبط أحوال الزراعة سماه قانون حال الفلاح. وفي عام 1874م، (في عهد إسماعيل) تم استقلال مصر إداريا وقضائيا عن الدولة العثمانية، وتم بعد ذلك إنشاء عدة مجالس قضائية ثم صدر بعد ذلك في عام 1875م، القانون المدني المختلط وأنشئت المحاكم المختلطة التي يحاكم أمامها الأجانب، وفي عام 1883م، صدر القانون المدني الأهلي وأنشئت المحاكم الأهلية على أنقاض المجالس القضائية. وما حدث في تركيا ومصر حدث ما يماثله في أكثر البلدان الإسلامية، ففي لبنان وبعد الحرب العظمى الأولى وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسي إلى أن استقل عام 1946م، وقد صدرت بعد الانتداب عدة قوانين مدنية غير مستمدة من الشريعة، مثل قانون الملكية الذي صدر عام 1930م، وقانون الموجبات والعقود الذي صدر عام 1932م، وقد ألغى جميع الأحكام الشرعية التي تخالفه، وصدر قانون أصول المحاكمات عام 1933م، وقانون العقوبات عام 1943م، وأخذت هذه القوانين عن القوانين الألمانية والفرنسية والسويسرية. أما الأحوال الشخصية فظلت تابعة لكل طائفة من الطوائف الدينية في لبنان، وفي المحاكم السنية ظل العمل بقانون العائلة العثماني بأرجح الآراء على مذهب أبي حنيفة. هذا وللحديث بقية.