02 أكتوبر 2025

تسجيل

الانتخابات البرلمانية المصرية..برامج أم شعارات

22 أبريل 2013

ماذا سيكون رد فعل الأحزاب والجماعات الإسلامية في مصر وفي كل مكان لو نشأ حزب قبطي في مصر ورفع شعارا انتخابيا يقول "المسيحية هي الحل"؟ من ناحية منطقية نظرية وفي دولة قائمة على المساواة المفترضة بين المواطنين وإذا وجد حزب يرفع شعار "الإسلام هو الحل" فليس هناك أي وجه اعتراض مقبول على شعار "المسيحية هي الحل إن رفعه حزب آخر". لكن من ناحية ترسيخ بناء دولة قائمة على المواطنة الدستورية. ومن ناحية تعزيز التعايش بين الأفراد والجماعات داخل أي مجتمع ودولة. فإن الشعارين يجب أن يُرفض استخدامهما سواء في الحملات الانتخابية أو الصراع السياسي. مناسبة هذا الكلام هو ما قام به مجلس الشورى المصري من تعديل لمادة مهمة في قانون الانتخابات كانت تجرم استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات. معنى ذلك أن المجلس الموقر يفتح الباب واسعا لعواصف التوتر الديني وتوظيف الدين في الانتخابات والسياسة على أوسع مدى. ومعنى ذلك أنه من المشروع أن نتوقع أن تشهد الانتخابات المصرية القادمة شعارات تنافسية من النوع التالي: "الإسلام هو الحل". "صوتوا ضد بناء الكنائس في مصر الإسلام". "مصر أهل البيت تنادي: يا حسين". "المسيحية هي الحل". "صوتوا لإعادة مصر لحكم المسيحية".. "السلفية هي الحل". "التشيّع لأهل البيت هو الحل". "الجهاد هو الحل". "ختان البنات من جوهر الدين". "الدين يحرم وضع سن أدنى لزواج الفتيات". "ابن لادن والظواهري حماة الدين". هل في تخيل هذه الشعارات مبالغة لفظية. أم أننا حتى لو أطلقنا العنان للخيال فإننا لن توقع حقاً مدى الانهيار ونوع وطبيعة الشعارات الكارثية التي سيتفتق عنها العقل الديني المتعصب والذي تغذيه قوانين وتشريعات مدهشة في غبائها وفي عدم تقديرها لمخاطر ما تشرعه وتسمح به. إذ تم تمرير التعديل الذي أجراه مجلس الشورى على القانون ولم تحبطه الآليات القضائية والدستورية الأخرى فسوف نشهد انحدارا حادا وإضافيا في كل ما له علاقة بالسياسة بشكل عام و"تطورا" كبيرا إزاء زج الدين في أتون السياسة ومناوراتها وأحابيلها النفاقية والتنافس على المناصب والمصالح. ويدلل هذا في سياق أوسع على أن المراهقة الإسلاموية السياسية لا تزال تتخبط في كل الاتجاهات. بل وتلعب فعلا في النار في مجتمعاتنا. وتزيد من التوتر فيها. وتفتعل معارك لا معنى لها ولا ضرورة لوجودها. وتشغل الناس في قضايا نظرية على حساب ما يواجههم في يومي حياتهم من فقر وبطالة واقتصاد مترد. توظيف الدين والشعارات الدينية مسألة كان قانون الانتخابات الحالي قد حظرها (في المادة 60) كما تفعل كل قوانين وتشريعات العالم. وجود مثل هذا القانون يعتبر من أبجديات العملية السياسية. وأوليات الانتقال الديمقراطي وبناء نظام جديد قائم على التنافس البرامجي وليس إدعاء تمثيل الدين أو الله في الأرض. وفي حال شطبه فإن جني التعصب الديني يطلب من دون رقيب ولا حسيب في أي مجتمع. هناك عدة اعتبارات تفرض وجود هذا القانون في المجتمع الحديث. أولها ضرورة تحييد الدين والحفاظ على مكانته الروحية في المجتمع بعيدا عن التلويث السياسي. والمنطق واضح هنا وهو رفض أي ادعاء لاحتكار الدين من قبل أي جماعة أو حزب سياسي. فعندما يزعم حزب ما بأنه ينطلق من قاعدة دينية ويمثل الدين ويطلب من الناخبين أن يصوتوا له لأنه يمثل الدين ويحافظ عليه وسوى ذلك. فإنه يرتكب عمليا أكثر من خطيئة. فهو يقزم من اتساع الدين وكونه للناس والشعب ويطبق ويُراعى بأشكال ودرجات مختلفة. ويحوله إلى برنامج سياسي حصري الفهم والتفسير والاستخدام. بمعنى آخر يتم "مأسسة الدين" داخل إطار حزبي بما يحبط فكرة تحرر الفكرة الدينية عن أي مأسسة وتواجدها الاختياري في الفضاء العام. كما أنه ينقل الدين إلى ميدان الصراع السياسي حتى يتم التنازع عليه فصائليا وتوظيفيا. فعندما تصبح تضج الساحة بأحزاب عدة كلها تدعي النطق باسم الدين وكل منها يفسره بشكل مختلف فإن ذلك يشوه من الدين نفسه ويجعله مطية للاستخدام السياسي. ثم يؤدي ذلك إلى التداخل والاختلاط الذي يحدثه توظيف الشعار الديني من قبل السياسيين حيث تصبح أخطاؤهم وكأنها أخطاء الدين. فعندما يقول حزب ما يرفع شعار "الإسلام هو الحل" للناس إن الحلول التي يقدمها هي "حلول الإسلام" فكيف سيكون موقفه عندما تفشل تلك الحلول في تحقيق أي إنجاز للمجتمع والبلد؟ سيكون الرد التقليدي في هذه الحالة هو أن الحزب هو الذي فشل في تطبيق الحلول وإيجادها وليس الإسلام. وإن الفشل منسوب لأعضاء الحزب وقادته. ولكن حتى لو نجحت الحلول المفترضة أو أي حل منها فإننا سوف نجد ألف معترض حتى من داخل مربع الجماعات الإسلامية يرفض اعتبار الحل أو النجاح المعني "حلا إسلاميا". كما هي الحالة في تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم فيها. حيث يرفضه كثير من الإسلاميين ويرفضون حلوله. وفي الحالة المصرية مثلا. أو التونسية. فإننا نعرف أن تيارات وأحزاب سلفية ودينية مختلفة تعارض حركة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر وصاحبة شعار "الإسلام هو الحل". وتعارض حركة النهضة في تونس التي تحمل نفس الشعار بشكل أو بآخر. معنى كل ذلك أن رفع شعارات إسلامية ودينية في العمل السياسي لا يحقق سوى المزيد من الفوضى الدينية والسياسية ويُقحم الدين ويلوثه في ميادين الاستغلال السياسي لا أكثر ولا أقل. والاعتبار الثاني الذي يحققه التجريم القانوني لاستخدام الدين في الحملات الانتخابية هو توفير مناخ منصف للمنافسة السياسية المتكافئة. خاصة في مجتمعات يحتل فيها الدين مكانة معيارية كبيرة ومؤثرة. ومعنى هذا أنه من المرفوض أن تتسلح بعض الأحزاب بالشعار الديني وتتدرع بالدين ثم تخوض الانتخابات تحت لوائه. لأن ذلك يعني ضمنا أن الأحزاب المتنافسة الأخرى معادية للدين أو رافضة له. في مصر وبقية البلدان العربية عندما تستخدم الأحزاب الإسلاموية الشعارات الدينية في الحملات الانتخابية. فإن مضامينها المباشرة أو المُبطنة سوف تتجه كلها نحو اتهام خصومها بأنهم ضد الدين. وأن الأحزاب الإسلاموية هي حامية الدين من "المنافقين والعلمانيين والكفار" (أي الخصوم السياسيين). وعندما يتم استخدام المساجد والمنابر وخطب الجمعة في التحريض السياسي والانتخابي فإن العملية الانتخابية تفقد معناها لأن ما هو مُتاح للأحزاب الإسلاموية لن يكون مُتاحا للأحزاب الأخرى. وهذا ينفي أي تكافؤ في المعركة الانتخابية. ومن المثير للدهشة أنه في سياق النقاش المصري الذي انتهى في مجلس الشورى بإقرار استخدام الشعارات الدينية أن ممثلي حزب الحرية والعدالة. الإخوان المسلمون. أرادوا إظهار نوع من الموضوعية فاقترحوا أن يتم حظر كل الشعارات الأيديولوجية إن كان ولابد من حظر الشعارات الدينية. لكن ذلك لا معنى له لأن استخدام أي حزب لأي شعار أيديولوجي سوف يكون قابلا للنقاش والنقد وحتى للتفكيك الفكري والهجوم. بمعنى آخر. لو قال حزب ما إن الأيدلوجية الليبرالية هي الحل. أو اليسار هو الحل. فإن تلك الأيدلوجية سوف تكون مجالا مفتوحا للنقاش والنقد والنقض. أما عندما يستخدم حزب إسلامي شعار "الإسلام هو الحل" فإن أحدا لن يستطيع أن يجرؤ على القول إن الإسلام ليس هو الحل. وسوف تكون المعركة غير متكافئة. ومن أجل هذا فإن المطلوب هو معركة انتخابية قائمة على برامج سياسية واقتصادية مع تحييد كامل للدين فيها.