29 أكتوبر 2025
تسجيلبمثل العبارة أعلاه، يتفنن بعض رموز دول الحصار أو الرباعي المتأزم، بوصف قطر والتقليل من شأنها والانتقاص من حجم الأزمة، التي افتعلوها وظنوها سهلة يسيرة، فإذا بها تتحول إلى عقدة نفسية لا يرون لها مخرجاً يحفظ لهم ماء وجوههم، إن كان قد بقي شيء من ذاك الماء. التقليل من شأن قطر بالطريقة الصبيانية التي تمارسها تلك الرموز ومعهم جوقة إعلامية وذباب إلكتروني يفسد الأجواء والأذواق، إنما يفصح عن مكنونات نفوسهم، التي لم تعد خافية على أحد، وأن هذا النوع من التعامل إنما هو نتيجة عقدة نفسية متجذرة قديمة، يجد ممارسها في الانتقاص من ذوات الآخرين، أفراداً كانوا أم دولاً أم حضارات، وسيلة لإزالة تلك العقدة أو هكذا يتصور!. العلاقات الإنسانية التي تنشأ بين البشر، ولكي تستمر وتتطور وتكبر، تقوم عادة على أسس من الحب والتقدير والاحترام، وحالما تتساقط تلك العناصر الأساسية لأي علاقة إنسانية، تحل مكانها عناصر الشقاق والخلاف والتنازع، وما يترتب عليها من آثار سلبية غير سارة ولا محمودة. التقليل من شأن الآخرين عقدة نفسية من دراسات نفسية تبين أن الذي يقوم بانتقاص الآخرين والتقليل من شأنهم إنما هو نفسه يعاني من عقدة نقص شديدة ومن شعور بالغ بالدونية في محيطه أو بيئته التي يعيش أو يعمل فيها، حتى يتحول لضحية بعد حين من الدهر، حيث تجده دائم الانتقاص لذاته ولأي سبب وإن لم يظهر أغلب ذلك أمام الناس، وبالتالي يجد لذته حين ينتقص ذوات الآخرين ويقلل من شأنهم، أو يقوم بتجريحهم لسبب أو دون سبب، فيجد في ذلك الفعل تنفيساً له مما به من دونية وعقدة نقص وما شابه. إن الذي يحترم ذاته ويقدرها ويعمل على الرقي بها تجده بالضرورة كذلك مع الآخرين. وحين يواجه هؤلاء العظام من الناس بعض الناقصين، تراهم عادة لا ينفعلون مع ما يصدر تجاههم، بل يحاولون الإصلاح قدر المستطاع وهو أمر ليس سهلاً إلا على النفوس الكبيرة. أحجام الدول في العلاقات الدولية عودة إلى موضوع الأحجام مرة أخرى، الذي يستخدمه أولئك الرموز للاستهزاء بقطر أو التقليل من حجم الأزمة، فإن أولئك القوم عليهم الإدراك التام بأن العالم اليوم لم يعد كما كان سابقاً، والنظرة للدول والكيانات السياسية في العالم اختلفت عما كانت عليه قبل قرن أو أكثر من الزمان. المساحة الجغرافية أو الحجم الجغرافي لم يعودا معياراً أو شرطاً أساسياً وحيداً لنيل لقب دولة والحصول على اعتراف العالم بها. في عالم اليوم تجد أن غالبية أعضاء الكيانات والمنظمات الدولية الكبيرة دول صغيرة. انظر إلى حلف الناتو، الاتحاد الأوروبي، منظمة أوبك وغيرها من كيانات. لاحظ أهمية أصوات الدول "الميكروسكوبية" بالأمم المتحدة في مشروعات القرارات وما شابهها لمجلس الأمن، أو مؤسسات هيئة الأمم المختلفة ولجانها المتنوعة. تأثير الدول اليوم ما عاد يقاس بأحجامها، لكن بأفعالها وسياساتها والاستراتيجيات التي تقوم عليها علاقاتها بالآخرين. ومن هذا المنطلق يمكن فهم عنوان هذا المقال، ولماذا دأب إعلام الرباعي المتأزم وبعض رموزه على استغلال أي مناسبة للانتقاص من شأن قطر. إن كانت قطر تلعب دورا أكبر من حجمها كما يروج البعض، فالمسألة وفق هذا المفهوم الجديد لمعنى الدولة وتأثيراتها، ليست لعباً بقدر ما هي قدرة ومهارة تتمتع بها قطر من أجل تفعيل سياسة خارجية ناضجة، تسير وفق رؤية بعيدة واستراتيجية واضحة الملامح، وتسعى من خلالها لتثبيت أركانها وتعزيز مصالحها ومكتسباتها، والتي إن فهمها البعض على عكس ذلك، فإنه لا يعني أن الخلل في قطر، بقدر ما هو فعلياً فيهم وفي غيرهم من منتقدي الرؤية القطرية، مهما كانت أحجامهم كبيرة. نعم، إن عالم اليوم وإن تطور وارتقى في قوانينه ومعاملاته، فلا يزال كما كان بالأمس. الكبير يتطلع دوماً لابتلاع الصغير أو توجيهه بالصورة التي تحقق مصالحه أولاً وأخيراً، وإن كان على حساب الصغير. نعم، على الرغم من وجود كيانات دولية ظهرت لحفظ الأمن والسلام وفرض القوانين ومتابعتها وتطبيقها، وعلى رغم التغييرات الحاصلة على المفاهيم والنظرات للدول، وأنها بأفعالها وليست بأحجامها، فإنه رغم ذلك كله، تجد أن نفوس وعقليات من بيدهم إدارات الدول ذات الحجم والقوة اليوم، لا تختلف عمن كانوا بالأمس يديرون الإمبراطوريات والممالك والعروش السابقة. طمع وجشع وحسد ورغبة في الامتلاك والاستحواذ والتوسع، وهذا ما جعل كل الدول الصغيرة في عالم اليوم، تنشط وتجتهد في وضع سياساتها واستراتيجياتها بشكل يحفظ أمنها ووجودها من أطماع وتطلعات الكبار، هنا وهناك. قطر استشعرت خطر الابتلاع والهيمنة مبكراً، وإن لم يكن شرطاً أن يكون كما كان قديما بالضم والاحتلال المباشر، لكن بالتبعية المطلقة وعدم امتلاك حرية التصرف بالموارد والخيرات، وقبل ذلك بالقرارات الخارجية وربما أحياناً حتى الداخلية!. حين توقعك الظروف كخلاصة لهذا الحديث، والذي يهمني الجانب النفسي فيه، أن تبدأ وتتعامل مع من يحاول الانتقاص من ذاتك وتجريحك وإهانتك ووصفك بما لا يليق، ألا تحاول أن تثبت له العكس، بل التغاضي والترفع عنه، سيزيدك احتراماً وتقديراً عند المراقبين وهو الأهم، وفي الوقت ذاته تترك هذا المنتقص أو المتعالي عليك، يكتوي بنار الشعور بالدونية والنقص عنده، وتنكشف خفاياه ومساوئه أكثر فأكثر دون أن تبذل دولاراً واحداً لعمل إعلامي دعائي مضاد. ما المطلوب؟ المطلوب منا في قطر، حكومة وشعباً ومحبين ومؤيدين، الترفع عن الخطاب الإعلامي الرديء الذي يطغى على إعلام وخطابات الرباعي المتأزم، وعدم مجاراتهم والرد عليهم بالمثل. لنكن دوماً عقلاء وحكماء في أي موقف أو ميدان يريدون سحبنا إليه ومبارزتهم في الرداءة. لقد كشفت لنا الأزمة كثرة الأفواه الناطقة بكل قبح وسوء، والحكمة الإنسانية التي بانت على مدى العصور في كيفية التعامل مع هذه الأنواع البشرية، تقتضي اليوم احتقارها والترفع عنها وعدم الخوض في بحر الغي والقبح معها، فتلك الآلية من التعامل ستدفعهم إلى احترامك عاجلاً أم آجلا. وقد صدق وصف الفاروق عمر رضي الله عنه لأمثال أولئك المتكبرين المتطاولين على الناس حين قال: "ما وجد أحدٌ في نفسه كبراً إلّا من مهانة يجدها في نفسه".