06 نوفمبر 2025

تسجيل

المعرفة كانت ومازالت أساس التبادل الاقتصادي

22 مارس 2015

لقد كان حديثنا قبل الماضي يسلط الضوء على مدى أهمية نشاط التبادل، وكونه نشاطا يصلح أن يكون أساسا لفهم آلية النشاط الاقتصادي، وتعرضنا لمختلف النشاطات، ومنها السلعية والتي قد تطغى على فهمنا اليوم، وهي المتصلة بمفهوم الرأسمالية، ومفهوم الشيوعية والاشتراكية، ثم بينا أن هذا في حال قبلنا مفهوم التبادل أنه مجرد جزء من طيف العملية التبادلية، والتي تنتشر في معظم تفاعلات المجتمعات الإنسانية، فمن التبادل العاطفي المؤدي إلى الزواج، مما يعين المجتمع على البقاء، إلى التبادل بين الدولة والفرد، فالدولة توفر الأمن وسيادة القانون، والأمن يختص بالحماية من الخارج، والقانون يختص بالحماية في الداخل، وفي العصر الحديث طبعا تحولت الدولة إلى دولة الرفاه الاجتماعي أيضا، ولذلك أهمية التنمية الشاملة، فالأمن يعني توفر فرص العمل والمسكن والطعام والصحة والتعليم، والفرد يعطي الولاء للوطن ويقدم الجهد والعمل والطاعة في بيئة حاضنة له، وهكذا يتضح أن النشاط التبادلي وأضيف هنا التماثلي، أي هناك إدراك على أن التبادل لابد أن يكون تماثليا من حيث القبول، فلكون التبادل مقبول لأنه متماثل في القيمة أو في الطبيعة، ولذلك أوجد الإنسان والدولة عملة تمكن من تسهيل التبادل بشكل متماثل، أي أن العملة تعمل على توحيد القياس، ولذلك أمكن لكل فرد أو مؤسسة من التبادل بكل سهولة ويسر، لأن العملة هي الوسيلة الوسيطة، التي تمكن من التبادل بشكل يضمن التماثل في معظم الحالات، وذكرنا في نهاية الحديث، أن أهم ما طرأ على أهمية ونوعية التبادل، هو بروز التبادل المعرفي في العقود الأخيره، لما له من تأثر في المراحل الأخيرة من القرن العشرين، ودخول القرن الواحد العشرين، وهنا لنا وقفة كما ذكرنا في حديثنا الأخير، وهو تنامي أهمية ذلك النوع من المبادلة، وهي إعطاء التبادل المعرفي أهمية عليا في التنمية وفي الدول، وهنا نعرفه على أساس الاقتصاد المعرفي، إذن نحن اليوم نعرف الاقتصاد على أنه اقتصاد معرفي، وأنه غاية معظم الأمم، وبلوغ الاقتصاد المعرفي هو الضمان لأي أمة، تسعى للمحافظة على مكتسباتها الاقتصادية والعلمية، وهنا نقصد بالاقتصاد المعرفي هو انخراط المجتمع بأفراده في صناعة المعرفة، وتبادلها لتكون هي الأساس في التعاملات الاقتصادية، وكما هو بين أن الاتجاه هو تعميق وتوسيع التبادل المعرفي، وإن كنا لم نبلغ بعد ذلك المستوى بعد، فإن هناك مراحل تسبق ذلك، وهي مراحل تمهد لدخول الاقتصاد المعرفي وهي الاقتصاد الرقمي، وكل هذا الغاية منه بلوغ مجتمع المعرفة وتلك حالة مجتمعية لأن نحيط بها بعد، ولكن من الواضح أن الغاية من كل هذا العمل والجهد هو الإنسان، وللوصول للإنسان يجب أن يمهد الاقتصاد لحالة اجتماعية مماثلة له على الأقل، فالاقتصاد ليس واقعا يفرض نفسه على المجتمع بل هو آلية لخدمة المجتمع، واقتصاد المعرفة لابد أن يفضي لمجتمع المعرفة، هذا كله هو تمهيد لكون المعرفة هي الأساس منذ البداية لكل التبادلات، فمن حصل على المعرفة عن طريق الصدفة، بضرب حصاة على حصاة لينتج عنها سلاح أو أداة تعينه على الصيد ومن ثم القدرة على البقاء، إلى سد يمكنه من الزراعة والتنظيم وصولا للطائرة والصاروخ، كلها معرفة وكلها أسباب لتقدم الإنسانية، فهل نحن اليوم نشتري السيارة، أم نشتري المعرفة التي صنعت السيارة، هل نحن نشتري الطائرة أم نشتري المعرفة، في كل مرة هي المعرفة والمعرفة الأفضل، هي التي نسعى للحصول عليها، وقد تكون تلك الحالة، ليست مقتصرة على المعرفة، في معناها الصناعي وإن كان واضحا، إلى أن الماركات والعلامات التجارية، تقوم على أساس المعرفة، وحتى وجبات الطعام والطهو، تقوم على المعرفة وكل مرة يجيد فيها شخص، مستويات من المعرفة تفوق غيره، كان قادرا على تسويق وتبادل سلعته أو خدمته بأسعار أعلى، تلك هي المعرفة تسكن في كل منتج، وتصوغ كل نسيج صناعي أو خدمي أو علمي أو معرفي أو تقني، هي المعرفة في كل ما نشتري أو نبيع، هي أساس القيمة في كل ما نتبادل، وقد تكون المثلية هنا معايير تضعها المنافسة، كما هي الحال بين آبل وسامسونج، والمرسيدس والرولزرويس، وكما هي الحال بين ذلك البلد وذلك البلد، فهذا بلد يصدر الأسلحة المتطورة أي تحمل مقدارا من المعرفة يفوق غيرها من أسلحة، ولذلك تسود البلدان ذات القدرات التسليحية المتطورة، ونعرف أن التاريخ يعلمنا أن كل تطور معرفي في الأسلحة كان سببا لنصر جيش على جيش، وكل فكرة فريدة مكنت فئة قليلة من الانتصار على فئة كبيرة، الحصون والخنادق والسيوف كان لها أثر في تحديد المنتصر، والخطط العسكرية والالتفافات وفي المعارك، وأساليب الكر والفر والحرب خدعة، كلها تبين أن المعرفة والقدرة على توليد المعرفة هو العنصر الفاصل، في تحديد من ينتصر ومن يعيش في رفاه، ومن يهزم ومن يعيش في كفاف، إذا خلصنا أن المعرفة هي العامل المستمر الوحيد منذ بداية التبادل، إذا فهم بعمق لما تعنيه المعرفة في كل جنباتها وكيفية صيانتها والعمل على توليده من ذات المجتمع تصبح العملية الأساس في كل ما نعمل.