02 نوفمبر 2025

تسجيل

نهاية "عملية الحل" الكردية في تركيا

22 مارس 2014

إذا كان من قضية لازمت تاريخ تركيا الحديثة منذ إعلان الجمهورية في العام 1923 فهي المسألة الكردية بلا أدنى تردد.وقد مرت العلاقة بين الأكراد والسلطة في تركيا بمراحل متعددة جمع بينها الاضطهاد المزمن ومحاولة طمس الهوية، وهي على كل لم تكن حالة خاصة بتركيا، بل بكل الدول والقوميات الكبرى التي تواجد في كنفها الأكراد. ولم تتغير المعاملة السيئة للأكراد في تركيا من العلمانيين إلى العسكريين وصولا إلى الإسلاميين.ولقد كان مؤملا أن يشكل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002 فاتحة عصر جديد من علاقة حضارية بين القوميتين الكردية والتركية. ولقد اعترف رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في العام 2005 بوجود قضية كردية. غير أن الوقت كان يمضي إلى أن حكمت الظروف الانتخابية على أردوغان عشية انتخابات 2011 إلى التراجع عن كلامه وأنكر وجود قضية كردية في تركيا، وقال إنها ليست سوى مشكلة مواطنين من أصل كردي. لم يكن أردوغان يريد خسارة الصوت القومي في تلك الانتخابات، لكنه بعد الانتخابات لم يقدم على أي خطوة مهمة وهو ما أثار الأكراد، أي حزب العمال الكردستاني، الذي عاد لاستئناف العمليات العسكرية ارتباطا أيضا بالأزمة في سوريا وتقدم العامل الكردي في سوريا نحو أن يكون له واقع جديد بلغ مرحلة إعلان الحكم الذاتي الأحادي الجانب.ولكن العلاقة بين أردوغان وأكراد تركيا شهدت نقلة نوعية في طبيعة العلاقة التفاوضية في مثل هذه الأيام بالضبط من السنة الماضية مع إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجالان وقفا للنار من جانب واحد والبدء بانسحاب المقاتلين الأكراد من داخل تركيا إلى شمال العراق.ومع أنه لم يعلن عن أي اتفاق رسمي مكتوب، غير أن ما كان شائعا هو أنه مقابل ذلك تقوم الدولة التركية بتشريعات برلمانية تعترف بالهوية الكردية في دستور جديد، يليها تخلي حزب العمال عن حمل السلاح والتحول إلى حزب سياسي وإطلاق سراح المعتقلين ومنهم أوجالان.اليوم بعد مرور سنة لا تبدو الصورة تفاؤلية، بل بالعكس تشهد نكوصا وتراجعات تنذر بعواقب وخيمة. بعد سنة على أكبر تفاؤل عرفته العلاقة الكردية- التركية يعلن حزب العمال الكردستاني أنه أوقف المفاوضات مع الحكومة التركية وهي التي كانت متوقفة عمليا منذ فترة. وفي ظل الكلام الكثير الذي قيل، حسم أوجالان الأقاويل وقال إنه ليس في الأساس أي اتفاق مع الحكومة التركية.وهو ما يفسر عدم التزام الحكومة أساسا بخريطة طريق افتراضية رسمتها تحليلات كثيرة. وقد برر حزب العمال الكردستاني عدم اعتبار حزب العدالة والتنمية مخطبا له في عملية الحل بعدم مبادرة الحكومة إلى أي خطوة يمكن أن تعكس جدية في حل المشكلة مثل الضمانات الدستورية والتعلم باللغة الكردية في المدارس الرسمية وصولا إلى إعلان حكم ذاتي وإطلاق سراح المعتقلين.بل إن بيان حزب العمال الكردستاني رأى أن مهمة الحكومة التركية قد انتهت وأن هناك محاولة من جانب الولايات المتحدة لإقامة حكم جديد من تحالف بين حزب الشعب الجمهوري العلماني وبين جماعة الداعية فتح الله غولين الشريك السابق لأردوغان والذي يدخل في معارك طاحنة سياسية وقضائية وأمنية مع أردوغان في حرب بين شركاء الأمس.وفي حال كان مثل هذا السيناريو موجودا فإن الأكراد سيكونون، مرة أخرى، ضحية لتوازنات القوة الداخلية، لكن استمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة، وهو المرجح جدا ما لم تطرأ مفاجآت من خارج صندوق الاقتراع، لا يعني أن الصورة الكردية ستكون أفضل، إذ من الواضح أن الذهنية التركية واحدة من العلمانيين والإسلاميين وقد لا تكون الظروف مناسبة البتة لكي يقدّم أردوغان شيئا للأكراد، خصوصا بعد التودد للمؤسسة العسكرية عبر إطلاق سراح الجنرالات المعتقلين بتهمة تنظيم عصابة مسلحة والانتماء لمنظمة ارغينيكون، وجميعهم من المعادين بشدة للمطالب القومية الكردية.وهكذا عام يمضي وعام يأتي والقضية الكردية في تركيا موضع مراوحة منذ تسعين عاما، وهذا لا يفيد الاستقرار في تركيا ولا التنمية.