19 سبتمبر 2025

تسجيل

دارفور.. المربع المتجمد

22 مارس 2014

تصاعدت الأحداث في دارفور بشكل متواتر، والجديد أن الصراع ينشب بين مكونات دارفورية أكثر من كونه صراعا بين هذه المكونات والحكومة المركزية.. صحيح أن القضية في أساسها بدأت من قبل عشرات السنين كنزاعات قبلية على الكلأ والمرعى ثم تطورت هذه النزاعات وتزايدت أعداد ضحاياها باستخدام الأسلحة المتطورة التي تدفقت إلى الإقليم إبان الحرب الأهلية في دولة تشاد المحاددة لإقليم دارفور الذي تقدر مساحته بمساحة فرنسا؛ بيد أنه ما زاد هذه النزاعات ضراوة إهمال الحكومة المركزية لأمر معالجتها، بل إن مواطني الإقليم شعروا بتهميش المركز لهم وتحول الصراع إلى صراع بين مكونات دارفور من جهة والمركز من جهة أخرى.. اتساع مساحة الإقليم وبعده عن المركز أسهم في تأخر التنمية بمختلف أشكالها وأنواعها.. كل ذلك شكل بيئة مواتية للأطماع الدولية في ثروات الإقليم في باطن الأرض وخارجها، فأصبحت دارفور مسرحا لصراع أجندات الخارج، فيما غابت الحكومة المركزية أو كادت تغيب.. المنظمات الإنسانية المرتبطة بالغرب أيضاً استخدمت مساحة تحركها في تضخيم المشكلة؛ تقول صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية ذائعة الصيت في تقرير سابق لها إن منظمات ونشطاء غربيين، في مقدمتهم تحالف "أنقذوا دارفور" قد لعبوا دورا سلبيا في تضخيم أزمة دارفور لأسباب تتعلق بتوزيع الأموال المرصودة للأزمة والترويج للتحالف، الأمر الذي انعكس على إعاقة الجهود الإنسانية الإغاثية والتغطية على جرائم متمردي دارفور ونسب كل المشاكل إلى حكومة الخرطوم تحت مزاعم عن إبادة جماعية. أبرز الصراعات المحلية المحتدمة اليوم بين عثمان كِبر حاكم ولاية شمال دارفور المحاددة لدولتي ليبيا وتشاد، وبين موسى هلال زعيم قبائل المحاميد ذات النفوذ الكبير.. الصراع بين الرجلين له خلفياته القبلية، فضلا عن كونه صراع نفوذ.. الرجلان من حلفاء الحكومة المركزية في الخرطوم؛ فالأول أحد الكوادر السياسية المهمة في حزب الرئيس عمر البشير والثاني زعيم قبلي يصعب تجاوزه، كما أنه تحالف مع الحكومة وقدم لها خدمات كبيرة انطلاقا من نفوذه في الإقليم.. اليوم يطالب الزعيم القبلي الحكومة بتسديد فواتير سابقة وتمكينه من تحويل سلطاته القبلية إلى سلطات رسمية على حساب سلطات حاكم الإقليم، بل اشترط علنا إزاحته من منصبه إن أرادت الحكومة استمرار تحالفها معه والاستفادة من خدماته.. حكومة الخرطوم تجد نفسها في ورطة حقيقية، إذ لا يمكنها تجاوز هلال، كما لا تستطيع التضحية، وبهذا الشكل السافر، بحاكم الولاية وهو أهل ثقة لديها وأحد كوادر الحزب الحاكم المهمة.. المشكلة أن الصراع بين الرجلين اتجه إلى صراع مسلح، بل إن هلال عقد تحالفا مع حركة تحرير السودان جناح مناوي وشكل هذا التحالف العسكري تهديدا كبيرا لعدد من مدن الولاية بما في ذلك عاصمتها الفاشر وهذا أسوأ درك يمكن أن تنحدر إليه مآلات الصراع بين الرجلين. كان العام 2003م هو العام الذي انتشرت فيه الحركات المسلحة ومن المفارقة أن إحداها، وهي العدل والمساواة، كانت الأكثر شراسة في عملياتها العسكرية قد خرجت من رحم نظام "الإنقاذ" الحاكم نتيجة الانقسام الشهير بين أركان الحكم؛ المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، والمؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير، فضلا عن العديد من الحركات المسلحة الأخرى التي ظلت في حالة تشظٍ وانقسام مستمر حتى وصل عددها إلى أكثر من (40) حركة.الأمر المثير للتفاؤل، أنه رغم الكوابح التي ظلت تكبح مسيرة سلام دارفور إلا أن التجاني السبسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور مازال مؤمناً بالحوار سبيلاً وحيدا للحل، بل إنه حَمل بشدة على الحركات المسلحة التي قال إنها تعمل على تحريض النازحين بالمعسكرات والمتاجرة بقضاياهم، ودعا النازحين للعمل على مواجهتهم.. السبسي شخّص ببراعة الأوضاع في دارفور بُعيد توقيع وثيقة الدوحة للسلام في يوليو2011م بين حكومة الخرطوم وحركة التحرير والعدالة برئاسة السبسي، والتي اعتبرت أكثر الخطوات السياسية جدية لحل قضية دارفور.. السبسي تحدث بإشفاق ممزوج بالتحدي، موضحاً أن مشوار التفاوض كان شاقاً، إلا أن مشوار إنفاذ الاتفاقية هو الأكثر صعوبة ومشقة.. السبسي نوّه أكثر من مرة بضرورة بسط هيبة الدولة، في إشارة إلى غياب الدولة، مما يساعد على تزايد التفلتات الأمنية والعصيان المتكرر.. لكن كيف تبسط الدولة هيبتها؟ عسكريا أم سياسيا أم الاثنان معا؟ السؤال المحوري هو: هل أضحت قضية دارفور بعد كل هذه السنوات العِجاف ومحاولات السلام المستميتة، "طلاسم" تستعصي على الخرطوم ولم تغادر المربع المتجمد؟ أم أن إرادة الحل لم تتوفر حتى الآن في كل الأطراف؟