20 سبتمبر 2025
تسجيلالصفوة أو النخبة في أي مجتمع، هم خيار الناس في ذاك المجتمع، وبالطبع تلك الخيرية لها معاييرها الخاصة التي ربما تختلف من مجتمع إلى آخر أو ثقافة وأخرى. لاحظ أن الذين خرجوا إلى بدر الكبرى من الصحابة لم يتجاوز عددهم الثلاثمائة وبضعة رجال، في الوقت الذي كان عدد الصحابة من المهاجرين والأنصار بالمدينة أكبر من ذلك بكثير، وكان قد خرج أولئك النفر الثلاثمائة لمهمة محددة، لكنها تغيرت في لحظة معينة حرجة لحكمة أرادها سبحانه. يقول العلماء ان أولئك البدريين، الذين أطلق عليهم هذا الاسم فيما بعد، كانوا صفوة الناس يومذاك، مثلما كانت الملائكة التي نزلت في المعركة، من خيار أهل السماء في تلك الفترة.. وما كان اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لأولئك الثلاثمائة ليكونوا في مهمة اعتراض قافلة قريش، إلا لحكمة إلهية سيعلمها الناس بعد حين من الدهر قصير.. ذلك أن المهمة التي بدت يسيرة بادئ الأمر، تطورت لتكون مواجهة عسكرية مع قريش، دون أي استعداد نفسي أو بدني لازم لقتال عنيف، سيكون فيه دماء وآلام ومصاعب، لا تتحملها سوى نفوس مصطفاة معينة، فكانوا هم البدريون. اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم البدريون الذين اصطفاهم الله لمهمة التفريق بين الحق والباطل وكسر شوكة الشرك والكفر في أولى المواجهات، كافأهم الله بعد ذلك بشيء يتمناه كل مسلم، كما جاء في الصحيح، حين عاتب الفاروق عمر، حاطب بن أبي بلتعة، لأنه أخبر قريشاً بخبر تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم لغزو مكة، فسأل أن يضرب عنقه لأنه نافق، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:".. إِنّهُ قد شهد بدراً، وما يدرِيك، لعل اللَّهَ أَن يكون قد اطَّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". هكذا كان حال من اصطفاه الله ليكون من البدريين، الذين كانت لهم فضائل كثيرة ذكرها العلماء، ليس لشيء سوى أنهم شهدوا معركة فاصلة لم تكن من تنسيق وترتيب وتقدير البشر، بل من خالقهم عز وجل. واقرأوا إن شئتم تفاصيل بدر، ما قبلها وأثناءها وبعدها.. وضمن سياق الاصطفاء الإلهي، فإن الله سبحانه أيضاً (اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)، ولم يتم الاصطفاء دون شك، إلا من فضل وصفات معينة أوصلتهم إلى درجة أن يصطفيهم الله على العالمين. الاصطفاء عند البشر على المستوى البشري، نرى صفوة الناس في مجتمع معين، هم أصحاب انجازات تحققت على أيديهم وكانت لها آثارها الإيجابية على المجتمع، بغض النظر عن ماهية الإنجازات.. لكن قد نرى أهل العلم مثلاً، هم صفوة مجتمع آخر، دون اعتبار نقطة الإنجازات. وقد يختار مجتمع ثالث صفوة أبنائه ممن هم أصحاب فكر وثقافة، وربما مجتمع رابع يرى أن نواب البرلمانات مثلاً هم صفوته.. وهكذا بحسب كل مجتمع وثقافته. في ثقافتنا الاسلامية ظهر مصطلح أهل الحل والعقد، وهم أهل العلم والرأي والحكمة الذين كان يتم اختيارهم من الناس لتمثيلهم في أمورهم العامة، وقد ظهر ذلك بداية في انتخاب أهل العقبة الثانية لنقبائهم الاثني عشر، واستمر الأمر وتطور إلى يومنا هذا، ليكون على شكل برلمانات أو مجالس شورى أو ما شابه. لب الحديث الذي أرغب في الوصول إليه حول مسألة الصفوة والاصطفاء، هو تذكير النفس ودعوتها ليكون أحدنا ضمن صفوة يختارها هو بنفسه لا يختاره الآخرون.. كيف؟ قد يجتهد أحدنا في عمله الدنيوي رغبة في أن يكون ضمن صفوة وخيار المجتمع، سواء بحسب انجازاته العملية أو شهاداته العلمية، أو بحسب المعايير التي اتفق الناس في مجتمعه عليها ليكون ضمن صفوة أو نجوم المجتمع، سواء كان الأمر رسمياً على شكل انتخابات برلمانية وما شابه، أو كان الأمر عرفياً تتفق غالبية الناس على رموز وأسماء معينة بينهم، واعتبارهم صفوة مجتمعاتهم ونجومها، يفتخرون بوجودها بينهم.. لكن ماذا عن الاصطفاء في الآخرة؟ ماذا لو أن أحدنا اختار أن يكون ضمن صفوة الناس يوم الدين؟ وأبرز تلك الصفوة، السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؟ ماذا لو اختار أحدنا أن يكون ضمن أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ".. أو يختار غيرها من صفوات يوم الدين مما جاء ذكرها في الأحاديث الشريفة. وأحسبُ أن التفكر في مثل تلك الصفوات، التي لابد أن نتطلع ونخطط إليها في وقت ما من حياتنا، وإن كان الأفضل هو الإسراع إليها قبل فوات الأوان، فهو أمر جدير بأن يكون غاية كل مسلم من وجوده في هذه الحياة، بل لمثل تلك الغاية لابد أن يتنافس المتنافسون.