15 سبتمبر 2025

تسجيل

سقف المسألة الكردية

22 فبراير 2014

تدخل المسألة الكردية في نطاق القضايا الموروثة من الحرب العالمية الأولى. ووفق ما يخرج به المؤرخ والمحلل فإن غالبية إن لم يكن جميع المشكلات التي تعاني منها الأمة العربية بل المجتمعات الإسلامية تعود بجذورها إلى تلك المرحلة التي كان عنوانها السياسي والأساسي اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا والتي تم اقتسام الولايات العربية وجزء من تركيا العثمانية بين الدولتين العظميين حينها بعدما انسحبت من الاتفاقية روسيا في أثر قيام الثورة البولشفية الشيوعية فيها.ولعل أسوأ وأخطر ما في الاتفاقية هو توزيع الشعب الواحد على أكثر من كيان سياسي. وإذا كان من المستحيل رسم الكيانات بطريقة لا تبقي انتماء واحدا خارج الكيان نفسه غير أن ما حل بالأكراد في الحرب العالمية الأولى كان جريمة إنسانية وعرقية كبرى ضد الشعب الكردي الذي توزع وفق مؤامرات القوى الكبرى على أربعة كيانات هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.كذلك فعلت الاتفاقية بالعشائر الكبرى فوزعتها بين العراق وسوريا والأردن والسعودية وهلم جرا.وبطبيعة الحال ما كان لهذا التقسيم المصطنع والمغرض أن يكون سببا لفتن داخلية وحروب أهلية لو أن الدولة الوطنية القومية قد تأسست على مبادئ العدالة والمواطنة السليمة التي لا تميز بين إنسان وآخر وفق العرق أو الدين أو المذهب أو القبيلة. لقد تأسست الدولة القومية في الشرق الأوسط على قاعدة تسلط الأكثريات واضطهاد الأقليات.القرن العشرون هو قرن قمع الأكراد حيثما وجدوا وبطريقة فظيعة خلعت عنهم حتى أسمائهم.ولاشك أن الأكراد لم يستكينوا وقاموا وفجّروا انتفاضات في الدول التي هم فيها. وقد نجحوا في مطلع القرن الواحد والعشرين في أن ينجزوا أكبر هدف لهم وهو الاستقلال شبه الكامل في العراق مع إقامة الفيدرالية.الصراع في سوريا خلع الغطاء عن وضع الأكراد السوريين الذين تحركوا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني وبصورة مستقلة عن النظام والمعارضة. وقد أعلن هؤلاء الحكم الذاتي للمنطقة الكردية في سوريا والتي يسمونها روجافا استباقا لأي تسوية قد تحصل في سوريا على حسابهم.غير أن الشق السوري من المسألة الكردية تحول إلى باعث إضافي في صراعات القوة في المنطقة.إذ إن عملية المفاوضات الجارية منذ أكثر من عام بين أكراد تركيا وحكومة رجب طيب أردوغان لم تحقق تقدما ملموسا في أي نقطة خلا وقف للنار وفّر سقوط ضحايا من جانب الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني. وتدخل أسباب متعددة في تعثر المفاوضات منها الحسابات الداخلية لأردوغان عشية الانتخابات البلدية والرئاسية والتي تغلّب العوامل القومية على غيرها. لكن عاملين أساسيين آخرين يعرقل التوصل إلى تسوية للمسألة الكردية في تركيا.الأول هو أن الوضع في "روجافا" لا يخص سوريا وحدها بل كل الدول التي يوجد فيها أكراد وفي مقدمها تركيا التي وجدت في سيطرة حزب كردي موال لعبد الله أوجالان على تلك المنطقة تهديدا لأمنها القومي، على اعتبار أن أي نزعة انفصالية في سوريا أو العراق أو إيران هو تهديد لوحدة الأراضي التركية. وإذا كان انفصال الأكراد في العراق وتأسيس فيدرالية قد تم رغما عن أنقرة وبدعم أمريكي مباشر فإن حكومة أردوغان ترى أنها يمكن أن تمارس تأثيرا للتحكم بمسار المسألة الكردية في سوريا. أما العامل الثاني لتعثر المفاوضات في تركيا هو أن أنقرة تستفيد من الصراع الكردي- الكردي بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ورئيس حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبدالله أوجالان. إذ يتنافس الرجلان على زعامة أكراد المنطقة ومفتاحها الآن منطقة روجافا في سوريا حيث تحتدم المعركة عليها بين البرزاني وأوجالان وأردوغان كل على طريقته.وهنا يجب الإشارة إلى أن حصول الأكراد في العراق على الفيدرالية لم ينه الصراع مع الحكومة المركزية في بغداد في منحى قد لا ينتهي إلا بفك العروة الفيدرالية التي لا تزال تجمع بينهما وبالتالي إعلان الاستقلال الكامل. وهو ما يعيدنا من جديد إلى أنه ما لم تتحقق المساواة الكاملة على قاعدة المواطنة الحقيقية فإن العالمين العربي والإسلامي لم يشهدا نجاح أي تجربة وسطى أقل من سقف الانفصال. وهو ما سيسري على ما يبدو على المسألة الكردية في المنطقة ككل.