14 سبتمبر 2025
تسجيلتبقى القوة بكافة أنواعها وفق القراءة الواقعية هي المحور الأساسي في معادلة التوازنات، ولكن في ظل الفارق الهائل في ميزان القوى المادية، فإن القوة الناعمة تشكل عاملا مهما في التقييم في ذاتها وفي إمكانية تحولها لقوة مادية إذا تم توظيفها بشكل جيد. وفي هذا السياق فإنه بجانب اهتمام المقاومة الفلسطينية بتطوير ذاتها على مستوى القوة المادية فإنها برزت بشكل لافت جدا على مستوى القوة الناعمة أيضا والتي لا تقل أهمية. وقد قسم جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد القوة الناعمة إلى 3 عناصر رئيسية، هي الثقافة الجاذبة للآخرين والملهمة لهم والقيم التي تمثل المبادئ العليا والسلوك تجاه الأطراف الخارجية بشكل يمكن أن يكسب احترام الآخرين. بلا شك عنى جوزيف ناي في تقسيمه هذا الدول بشكل خاص ولكن إذا أردنا أن نسقط هذا التقسيم على المقاومة الفلسطينية نجد أنها استطاعت خلال 100 يوم من معركة طوفان الأقصى إبراز الحالة الثقافية للمقاومة التي تتسم بالإبداع والتميز في الأداء الفكري والأخلاقي والإعلامي. كما تتميز بالتنوع والأهم هنا أن تشترك بقوة مع الثقافات الحاكمة على المستوى الإنساني وهي العدالة والمساواة ورفض الظلم. في العنصرين الأول والثاني المتعلقين بالثقافة والقيم فقد ركزت المقاومة الفلسطينية على مسار مبدئي تتحقق فيه السيادة للشعب الفلسطيني وهو مسار تتطلع له كل الشعوب الحرة في العالم كما أن المقاومة حرصت على تركيز استهدافها للاحتلال الإسرائيلي فقط واحترمت الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وعلى مستوى آخر ظهر على سبيل المثال في تعامل المقاومة مع الأسرى الإسرائيليين نموذج أخلاقي غير مسبوق إذ إنه لم يسجل التاريخ الحديث أن أسيرا قام بإرسال رسالة شكر لخاطفه أو قام بتحية خاطفه أو سجانه عند خروجه وقد لاحظ العالم أجمع كيف كان الأسرى الإسرائيليون يبتسمون لمقاتلي القسام حتى بعد خروجهم، وهذا فيه إشارة واضحة إلى مستوى رقي التعامل الأخلاقي مع هؤلاء الأسرى خلال فترة الأسر بالرغم من أنهم ينتمون لعدو مجرم إرهابي لا يراعي حرمة طفل أو امرأة أو شيخ كبير. أما العنصر الثالث المتمثل في السلوك الخارجي فإن المقاومة في علاقاتها الخارجية تميزت بالالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية، ويمكن الإشارة هنا إلى احترام المقاومة لتعهداتها وبناء الثقة مع الوسطاء وعلى سبيل المثال دولة قطر التي ترعى عملية المفاوضات، حيث حرصت المقاومة على بناء الثقة معها والالتزام بما تقدمه من تعهدات تجاهها وكذلك فعلت مع بقية الدول خلال عمليات الوساطة من أجل المصالحة الوطنية وعلى سبيل المثال مصر والجزائر. وقد لقيت المقاومة تعاملا يعكس احترام كثير من الدول المستقلة لها مثل تركيا وقطر والجزائر على المستوى الإقليمي ودول مثل روسيا وجنوب أفريقيا على المستوى الأوسع، وهناك تطور كبير في شعبية المقاومة على المستوى الشعبي والذي يعد مستوى القياس الأكثر فعالية بالنسبة لحركة مقاومة والأقرب لمفهوم القوة الناعمة بالأساس. أما إذا تحدثنا على مستوى الشخصيات التي تمثل المقاومة فإن شخصية مثل شخصية أبو عبيدة تبرز بشكل جلي في رونق الأسلوب وجزالة الخطاب والصلابة والثبات على المبادئ وخطاب القلوب والعقول الذي يعد أحد أركان وعناصر القوة الناعمة، وبهذا فإن المقاومة مزجت بين القوة الصلبة في استعادة الحق والقوة الناعمة في كسب العقول والقلوب محلياً وإقليمياً ودولياً، وهذا ستكون له آثاره الإيجابية على أهدافها وتطلعاتها بلا شك.