19 سبتمبر 2025

تسجيل

الخليج التائه!!

21 ديسمبر 2017

منظومة مجلس التعاون الخليجي ظهرت عام 81 لهدف محدد هو التصدي لفكرة تصدير الثورة الإيرانية، وتعاونت مع العراق في أداء تلك المهمة حتى خفت وهدأ خطر الثورة الإيرانية عام 89 وإلى حين من الدهر قد يقصر أو يطول.. وتطورت الأمور في الوقت ذاته بالمنظومة وتعددت الأهداف ومعها الطموحات والآمال، إلى أن جاءت خبطة أولى غير متوقعة، اهتز لها كيان المنظومة بشكل فاق كل تصور، وتمثلت في غزو العراق للكويت عام 90. فقلنا بأن الخبطة لابد أن تنبه الحكام الشباب حينذاك في المجلس، لمزيد عمل وتكاتف وتعاضد، وتطوير للسياسات والخطط الاستراتيجية.. لكن ما إن هدأت الأمور وعادت الحياة لطبيعتها، حتى رجع المجلس أيضاً إلى خموله وحياته الروتينية المملة. ثم جاءت الخبطة الثانية باحتلال العراق وإنهاء قوته، لتظهر إيران مرة أخرى كقوة صاعدة فاعلة بالمنطقة، ومع ذلك لم نجد ما يفيد أن منظومة التعاون استعدت لمثل هذه السيناريوهات، حيث كانت مستمرة في عملها الرتيب الممل غير ذي الجدوى بشكل عام.. وهكذا حتى جاءتها الخبطة الثالثة حين فاجأتها ثورات الربيع العربي أوائل 2011 حتى أواخر 2012 وبدت المنظومة غير مهيأة للتعاطي الإيجابي مع إفرازات هذا الربيع، عبر مبادرات استباقية تؤمن لها عدم الاصطدام بروح التغيير التي سرت في كثير من دول المنطقة، فدخلت بدلاً من ذلك، في تشابك عنيف مع تلك الثورات عبر ثورات مضادة مكشوفة، بدأتها الإمارات والسعودية من القاهرة في الانقلاب العسكري الشهير على أول رئيس مدني منتخب، حيث دخلت مصر في مطحنة الفوضى وتدهور الحال إلى يومنا هذا، ثم تم إكمال مشروع الثورات المضادة لإفشال ثورتي اليمن وسوريا ومن قبلهما كذلك ثورة ليبيا، فيما نجت تونس من ذلك، ورست سفينتها على بر الأمان إلى الآن.   منذ انقلاب العسكر في مصر، دخلت منظومة التعاون في خلاف داخلي، بل انقسمت بسبب سياسات الدول الأعضاء الخارجية، واستمر هذا الانقسام حتى الخبطة الرابعة التي ربما تكون هي الحاسمة القاضية، والمتمثلة في أزمة الخليج الأخيرة أو حصار قطر.   إن الأزمة التي تسببت فيها الرياض وأبوظبي وأدخلت المنطقة في أزمة خانقة لا يعرف أحد كيف نهايتها، كان من الممكن تجنبها والابتعاد بالمنطقة عن التوترات والقلاقل، لو أن دول الخليج مضت في طريق ترسيخ مفاهيم المشاركة الشعبية في القرارات وتحمل المسؤوليات، وكان في ذلك تخفيف للكثير من الأعباء والمشكلات والأزمات التي تتحملها الحكومات حالياً، والتي ما هي إلا نتاج الانفراد بالقرارات المصيرية أو احتكار صناعة القرار بين قلة قليلة لا ترغب أن ينازعها أحد فيها.  دول المجلس، سواء بشكل جماعي أو منفرد، وبعد عقود ثلاثة فارطة، أمام تحد كبير وفرصة لتعويض ما فات خلال العقود الماضية، التي لم تنجح المنظومة في أن تثبت نفسها كتكتل له وضعه وشخصيته في العالم، سوى أنه تكتل يتبع سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة في العالم، وهي الولايات المتحدة.. دول الخليج جميعها، سواء استمرت معاً من خلال منظومة التعاون أم تلاشت، مطالبة بتعزيز مفهوم الولاء للدولة بالتراضي والمصلحة المتبادلة، بمعنى أن تقدم الدولة لمواطنيها الخدمات الأساسية المعروفة كالتعليم والصحة والأمن وغيرها، مقابل أن يقوم المواطن بالمسؤوليات والواجبات الملقاة على عاتقه بكل إخلاص وأمانة، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والبرلمانات والمجالس البلدية المنتخبة بأكملها، وتساوي جميع المواطنين أمام القانون، وحرية إبداء الرأي عبر مؤسسات ووسائل الاتصال المختلفة وفق أطر واضحة للجميع، لا قمع فيها ولا ترهيب، مع فتح المجال كذلك لتأسيس أحزاب أو جمعيات سياسية لكافة القوى والأفكار في المجتمع، لتطرح رؤاها في كيفية تحقيق مصالح الوطن المتنوعة، من دون تحجيم أو تهميش، إضافة إلى ضرورة وجود قوانين أو تشريعات دستورية تكفل وتحمي الحريات الفردية، التي هي أساس في الإبداع البشري، وعامل مهم للإنتاج الإيجابي الفاعل عند الفرد.  إذن والحالة كذلك وحتى تخرج دول الخليج من حالة التيه التي تعيشها منذ أكثر من عقد من الزمان، لابد أن تعمل على مراجعة خططها واستراتيجيات التعامل مع القوى الدولية المختلفة، بحيث لا تضع البيض كله في سلة الأمريكان، فهناك قوى أخرى صاعدة، لابد من ربط مصالحها بها، كالصين أو روسيا مثلاً، وأهمية التفاهم مع القوة الرابضة على الجانب الآخر لضفة الخليج..   الوضع لابد أن يتغير، ودول التعاون يمكنها القيام بأدوار إيجابية في سبيل مستقبل أفضل. والأزمة المصطنعة الحالية لابد أن تنتهي بصورة أوأخرى، فلا يوجد أحد مستفيد من استمرارها  بالخليج، فالمنطقة ليست بحاجة - بعد كل هذه السنوات -  للعيش وفق سيناريوهات تقوم على التهديد والوعيد، يستفيد منها طرف أو بضعة أطراف هنا أو هناك. وأحسب أن للشعوب الخليجية دوراً مهماً في هذا الجانب، بل لابد أن يكون له دوره الفاعل. وقد آن الأوان لذلك من خلال فعاليات شعبية متنوعة، تجتمع النخب السياسية والفكرية والثقافية وغيرها على وضع تصورات وسيناريوهات تنهي الحالة غير المرغوبة في المنطقة، وهذا أمر لا يجب أن يكون حكراً على الرسميين فقط، الذين تكررت اجتماعاتهم وطالت نقاشاتهم من دون نتائج ملموسة على أرض الخليج. الأرض التي تستحق وضعاً أفضل مما هي عليه الآن..  فهل من مبادرات وتحركات شعبية خليجية قبل فوات الأوان؟