11 سبتمبر 2025

تسجيل

ما السر؟

21 ديسمبر 2015

كما نسجل لحظاتنا الجميلة بمناسباتنا السعيدة في صور لتبقى في (البوم)، نحتفظ به لنعيد ـ وقتما نشاء ـ دفء اللحظة، أو فرحها، تسجل عيوننا أيضا لقطات كثيرة خاصة من شارع الحياة، ليست لنا.. ولا علاقة لنا بها، لكنها كانت إنسانية جداً، مؤثرة جداً.. فجذبت انتباهنا، ومعها عواطفنا، لنتابعها وتسجلها الذاكرة المليئة بلقطات، لبشر تخلَّوا عن إنسانيتهم، وقابلوا الإحسان بالإساءة، والمعروف بالخذلان! فمن اللقطات المؤثرة ما نراه في المطارات، وتحديداً في صالات السفر، والوصول، إذ فيها يمكنك أن ترى دنيا الناس في فراق، ولقاء، في موَدِّع يذوب حزناً، ومستقبل يطير فرحاً، هذه اللقطة شدت جموع المنتظرين بصالة الوصول، اذ كان المشهد لا فتاً؛ اثنان يركضان تجاه بعضهما ليحتضن كل منهما الآخر ويبكيان، ثم يفكان الاحتضان الحميم، وينظران في وجوه بعضهما، ويقولان شيئاً ثم يعودان للعناق والدموع.. وحمدِ الله على السلامة، لم يكونا إخوة، ولا من الأهل والعشيرة، ولا بينهما نسب، كانا صديقين جمعتهما عِشرة المدرسة الثانوية، في مطالع الصبا، ثم سنوات الجامعة، وما بعدها من سنوات، في (كرير) عمل واحد، ثم ترك أحدهما مصر، إلى صقيع غربته البعيدة، وظل على وده وتواصله مع صديق عمره، حتى التقاه في لقطة شديدة الإنسانية، عزيزة التكرار، وربما لو كنتَ حاضراً هذه اللقطة، لتساءلت: أي مودة، أي محبة، أي مشاعر يمكن أن تصمد كل هذه السنوات بين الصديقين (عفية)، نقية، صادقة، دافئة لا يغيرها بُعد، ولا تفتر بانشغال؟ وقد تسأل عن السر الذي ربط الرجلين ليكونا على هذه الدرجة من الوفاء، والكون يموج بالخيانة؟ قد لا يأتيك رد، لكنك ستشعر بسعادة غامرة، وقد رأيت مشهداً مختلفاً لبشر الحياة، وهم في أجمل حالات النبل، وأرقى مشاعر الإخلاص، أما إذا كنت من الذين رُوّعوا بجحود الأصدقاء، وودهم الكذوب، وعانَوا مِن: (أنت صديقي، وحبيبي، وعمري، وحياتي إلى أن تنتهي مصلحتي معك، وبعدها: باي باي)، فلربما قلت لنفسك: (دول بيصوروا مسلسل في المطار، أو يمكن فيلم بس مش هندي)! كل تقرير طبي يتحدث عن السرطان، أتسمّر أمامه وأتابعه ربما لوداعنا أغلى الناس، بعد الإصابة به، وبعد كل تقرير يسأل خاطري عن أسباب إصابة الناس بهذا المرض، الناس يريدون حقيقة، (مارتن هيدجر) الفيلسوف الألماني يقول: "إنني أقف حافي الرأس أمام سيدتي، أنتظر أي إشارة منها في خشوع، غير أن سيدتي لم تطلعني على الكثير من أسرارها، ولكن أملي عظيم في أن تفعل أحيانا"، يتحدث الفيلسوف عن الحقيقه التي دوخته ودوختنا، فكلنا ننشد حقيقة.. كثيراً ما لا ندركها، وكثيراً ما خنقتنا بمرارة غيابها!! كلنا مررنا بأسئلة عصية على الإجابة، منها مثلاً: أسباب إصابة الناس بالسرطان، أو الفشل الكلوي، أو الإعاقه، أو الغباء.. إجابة أهل الطب تقول بأن الإصابة بالسرطان والكلى تعود إلى تلوث الغذاء، طيب كيف نصدق هذا، وقد أصيب بالمرض أغنياء، وكبراء، وملوك، ولم يكونوا أبداً في حمية من الإصابة، لترفهم وطعامهم، الذي يزرع في مزارع خاصه لا تلمسها الكيماويات، ولحومهم على تنوعها منتج نفس المزارع، التي تأكل طعاماً لا يلمسه الكيماوي، من أين تأتي إذن الإصابة (وكله أورجانك).. يمكننا أن نصدق كلام أهل الطب، لو أن إصابة الكلى كانت نتيجة لشرب الماء الملوث بمياه المجاري، لكن ماذا عن إصابة الاغنياء القادرين على شرب أغلى عبوات الماء الصحي، لماذا يصيبهم المرض؟ كل مصاب بداء او مرض، أو له مريض يود لو يعرف حقيقةً.. أسباب المرض الذي أسهب فيه الأطباء دون تحديد أسباب، وأيضاً دون علاج شاف (غير الكفتة والشيش طاووق)، في الزمانات كان يخرج علينا من التلفزيون (عارف بالطب وأحواله) ليقول: إن معظم ما نأكله مسرطن، لم يترك شيئاً إلا سرطنه! الحقيقة الوحيدة: أن لا جواب شافٍ، ولا رأي قاطعٌ، وأيضاً لا علاج أكيد، إذن فلنؤمن بقضاء الله واختباراته، ونسأل الله أن يرفع أجر المبتلين، وبعيداً عن الأمراض وحقيقتها، ومن أين تأتي، وكيف نشفى منها؟ نحن نفتقد حقائق كثيرة في الحياة، أبسطها: هل تستطيع أن تعرف حقيقة دواخل من تحب أو تصادق، أو تعمل معه، أو تربطك به علاقة من أي نوع؟ هل تعرف حقيقة ما يضمره لك من مشاعر جوانية؟ الإجابة صعبة، صعبة جداً.. فلطالما لطمتنا المفاجأة بإجابات، تتقاطع مع كل ما تصورناه، واعتنقناه، وصدقناه، ودافعنا عنه، وآمنا به في علاقات عالم يموج بالمفاجآت غير السارة، ذلك عندما تسقط الوجوه المستعارة، ويتعرى الذي أمامك حتى من ورقة التوت، التي اختبأ وراءها.طبقات فوق الهمس* صقيع المشاعر أشد قسوة من صقيع البرد، قد تقاوم البرد بالدفايات، والبطانيات، والملابس الصوفية الثقيلة، لكن لا يغني كل ما تقدم عن قلب صديق يحبك، ويحتويك، ويخلص لك، ويخاف عليك، وتجد فيه كل الدفء، تصوري شخصياً أنكَ دون محب، أو صديق من هذا النوع، ستظل تقول وأنت ترتجف برررررد....الدنيا بررررد!.* عندما يعود الود (المهاجر) بين اثنين بعد طول غياب، تطمئن الروح ويهمس القلب: "لسه الدنيا بخير".* حسبنا الله.. سيؤتينا الله من فضله، إنا إلى الله راغبون، يقول الشيخ بن باز: "والله ما دعوتُ بهذا الدعاء، بعد التشهد الأخير، في أي أمر عسير إلا تيسر".