13 سبتمبر 2025

تسجيل

الحصاد المرّ لخمس سنوات من الثورة التونسية

21 ديسمبر 2015

أحيت تونس مهد «الربيع العربي» يوم الخميس 17 ديسمبر الجاري، في أجواء كئيبة وباهتة الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة التونسية، التي جاءت قوّية في صراعها مع النظام الديكتاتوري السابق، بنهجها السلمي وتَفَوُقِهَا الأخلاقي، وبعدالة مطالبها في الحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقوية بقاعدتها الاجتماعية العريضة التي انخرطت فيها طبقات المجتمع وفئاته وأجياله كافة، وقوية بالتماسك الداخلي للقوى المشاركة في صنع فصولها البطولية، ثم قوية بنفَسها الثوري الطويل الذي لا يكل. ومع ذلك، فإن خمس سنوات عجاف كافية لتقديم الحصاد المر. أولاً: كان الامتحان الحقيقي للحكومة الجديدة التي تشكلت ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية بزعامة السيد الحبيب الصيد يتمثل في قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية في شقيها الاقتصادي والأمني التي تعانيها تونس، فهل قدمت الحكومة الجديدة «حلولاً سحرية» للأزمة الاقتصادية الناجمة بصورة رئيسية عن وصول الأنموذج التنموي السابق الذي كان سائدا منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن إلى مأزقه الأخير مع اندلاع الثورة، الأمر الذي بات يتطلب من حكام تونس الجدد، انتهاج خيار جديد من التنمية قادر على تحقيق نسب نمو مرتفعة، لا يدفع المواطن البسيط فاتورته من «دمه». لم يكن للحكومة المنتخبة ديمقراطيا أي برنامج حقيقي لمحاربة الفساد، وبالتالي لبلورة نموذج جديد للتنمية، قادر أن ينقذ تونس من أزمتها البنيوية العميقة.ومن الواضح أن هذه الحكومة المتشكلة من أحزاب ليبرالية، والبعض منها يدافع عن الليبرالية المتوحشة كما هو الحل لحزب آفاق تونس، لديها نفس البرامج والتصورات فيما يتعلق بالاقتصاد، أسقطت من برنامجها مسألة محاربة الفساد كبند من بنود خارطة الطريق للمرحلة المقبلة.ويعتبر ملف محاربة الفساد ملفاً مفصلياً في نجاح أي حكومة ما بعد الثورة. فالمراقب للوضع السياسي التونسي يلمس بوضوح أن الحكومات المتعاقبة، سواء في عهد الترويكا السابقة بقيادة حركة النهضة، أم في عهد رئيس الحكومة المتخلى مهدي جمعة، لم تبلور خطة حقيقية لمقاومة الفساد، وإقرار الحوكمة الرشيدة، بل إن جميعها همشت ملف الفساد. وكان «البنك الدولي» قال في تقرير بعنوان «الثورة غير المكتملة» في مايو 2014 إن «الفساد يكبد تونس اثنين في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنويا»، مشيراً إلى «تفاقم» هذه الظاهرة منذ الثورة، ومؤكداً أن «معدل انتشار الفساد في تونس بغرض تسريع الأمور، يعد من بين أعلى المعدلات في العالم حسب المعايير الدولية».وقد تراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 لتحتل المرتبة 79 في سنة 2014، من مجموع 175 دولة في مؤشرات مدركات الفساد بتراجعها نقطتين عن ترتيب 2013 وبعشرين نقطة كاملة عن ترتيب 2010. وتزامن هذا التدهور في النتائج الاقتصادية مع ارتفاع نسبة البطالة من 15% في سنة 2010 إلى 23% في سنة 2013، فبلغ عدد العاطلين عن العمل مليون شخص، منهم 250 ألفا من حاملي الشهادات الجامعية. كما فقدت تونس خلال هذه الفترة أكثر من 230 ألف موطن شغل نتيجة تراجع الاستثمار بنحو 28%. وفضلا عن ذلك، فقد تجاوزت الديون الخارجية حوالي 25 مليار دولار في سنة 2015، ليصل مؤشر الدين الخارجي حاليا إلى نحو 52.3% من الناتج المحلي الخام، ليتجاوز بذلك مرتين إيرادات البلاد من العملة الصعبة، وازدياد نسبة الفقر من 15.5% سنة 2009 إلى حوالي 31% في الوقت الراهن. ثانياً: لما كانت الإرادة السياسية في مقاومة الإرهاب في تونس ضعيفة جدًّا بين سنتي 2011 و2013، فإن خوض الحرب على الإرهاب من قبل حكومة الحبيب الصيد في سنة 2015 تطلب الاهتمام بمناطق الظل وهي كثيرة في البلاد، وتكاثرت بعد الثورة، حيث إن هناك ثلث المدن التونسية تحتاج إلى برامج تنموية مستعجلة، لكن الحكومة لن تستطيع لوحدها النجاح إذا لم تجد تفهمًا من السكان لضرورة ترتيب أولويات التنمية. ولا تمكن محاربة الإرهاب بدون إشراك الحكومة مكونات المجتمع المدني الحديث في هذه المعركة، باعتبارها تمتلك القدرة على معاضدة جهود الدولة، سواء في برامج التنمية أم بخصوص تنظيم ندوات فكرية وإعلامية لإشعار المواطن بخطر الأفكار الإرهابية، وزرع الأمل لدى الشباب، الذي حلم بالشغل وحرية التعبير لم ير أمامه لحد الآن آفاقا واعدة، ولم يسترجع ثقته بعد في الطبقة السياسية الحاكمة. لا يخرج التطرّف والإرهاب من العدم، بل من صلب المجتمع التونسي بسبب الفقر والتهميش والاستبداد. وهو دلالة أوّلاً وأساساً على مشكلة اجتماعيّة، قبل أن يكون أزمة فكر، إن كان ذلك في تونس، أو في فرنسا، أو في العراق وسوريا.لقد تركت الحكومات المتعاقبة، سواء في عهد الديكتاتورية أو في عهد حكم الترويكا، أو في عهد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا حاليا، حيث تقاسم بعض القائمين على اللعبة السياسيّة تركة بن علي الريعيّة، المشكلة الاجتماعيّة تتفاقم، وهي التي كانت في أصل الثورة.. وبقيت مؤسّسة الدولة معطّلة بفعل تناحر السياسيين على السلطة، وأزمة الحزب الحاكم في الوقت الحاضر، ولم تقم، رغم كلّ التحذيرات، بأيّ شيء يجعل الناس في الولايات الفقيرة والمهمشة والتي تنتمي إلى تونس العميقة، يشعرون بأنّ الثورة أتت لتحسين أحوالهم المعيشيّة.