21 سبتمبر 2025

تسجيل

مجلس للحكماء ومحاولة لتحقيق التكامل الاقتصادي

21 ديسمبر 2011

شكل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية مجلسا للحكماء لوضع استراتيجية للتكامل الاقتصادي العربي، من عدد من خبراء الاقتصاد والقيادات التنفيذية في عدد من الوزارات الاقتصادية المصرية إلى جانب عدد من الاقتصاديين العرب. وتعددت رؤى أعضاء مجلس الحكماء كي يحقق أهدافه ما بين وضع قاعدة بيانات اقتصادية عربية تفصيلية يستفيد بها الباحثون ورجال الأعمال والمستثمرون، في ظل غياب البيانات التفصيلية واقتصار الإحصاءات العربية على البيانات الإجمالية مما يقلل من الاستفادة العملية منها. ويرى هؤلاء أن الأوروبيين لم يكن هدفهم في البداية الاتحاد الأوروبي عندما بدأوا مع العرب في عام 1957 من الواقع، بينما بدأ العرب في نفس العام من الطموحات استجابة لدعوة الرئيس عبد الناصر لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، والنتيجة أن الأوروبيين ظلت خطواتهم تتصاعد لتحقيق طموحاتهم، بينما تراجعت الخطوات العربية لتستقر عند منطقة التجارة الحرة العربية حاليا، مع السعي إلى إقامة اتحاد جمركي مازال يحتاج إلى جهد وسنوات لتحقيقه. وركز الحكماء على دور القطاع الخاص لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، مع عدم إغفال دور القطاع العام والحكومات العربية، والتنبه إلى حرب الموارد التي تتضمن الماء والطاقة والغذاء، فمع قرب انتهاء العصر الأحفوري سيزداد الاعتماد على الطاقة الشمسية والزراعة النظيفة الأورجانيك، حيث إن السلع غير صديقة البيئة لا مستقبل لها. ولأن الموارد محدودة فلابد من التفكير في التنمية المستدامة. وتعد الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر أحد محاور الحركة لتوفير فرص عمل، والاستفادة بالموارد والخامات المحلية، واعتبار الثروة البشرية بمثابة العامل الرئيس للتنمية كما فعلت الصين، والتركيز على قيام صناعات عربية في ظل غلبة الصناعات الغذائية على الواقع الصناعي العربي، والاهتمام بالتكنولوجيا. أيضا الاهتمام بالمؤسسات كركيزة للتحرك حيث تعود التنفيذيون العرب على البدء من جديد لكل منهم، دون الاستفادة بالتراكم الذي أحدثه المسؤولون السابقون، مما يهدر الوقت والجهد بينما المنافسون مستمرون في طريقهم لزيادة نصيبهم من الأسواق الدولية، بل واقتحام الأسواق المحلية العربية واقتناص جانب كبير منها. وخارج نطاق الاقتراحات النظرية للخبراء، يظل السؤال هل هناك بالفعل توجه جاد نحو التكامل الاقتصادي العربي؟ فتوصيات مؤتمر القمة الاقتصادية العربية الأولى الذي عقد بالكويت لم ينفذ منها سوى تكوين صندوق الصناعات الصغيرة والذي مازالت خطواته بطيئة، وتوصيات مؤتمر القمة الاقتصادية العربية الثانية الذي عقد بشرم الشيخ في يناير الماضي، تسببت أحداث الربيع العربي في نسيانها. وعلى الصعيد العملي مازالت الفجوة موجودة بين مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع للجامعة العربية، وبين المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع أيضا للجامعة العربية، ومازالت دول الخليج غير متحمسة للانضمام لعضوية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية. ومازال الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية اليمني الأصل، حائرا تجاه تلك الصعوبات التي تواجه التكامل الاقتصادي العربي. فمنذ أكثر من أحد عشر عاما ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية لم يستطع إنشاء شركة عربية واحدة مشتركة ولو بين دولتين عربيتين، ورغم تبعية أكثر من 45 اتحادا نوعيا عربيا في العديد من المجالات، مثل المصارف والتأمين والمعارض والأدوية والحديد والأسمدة والأسمنت وغيرها، فلم يحدث أن أثمرت جهود أي اتحاد منها عن تكوين شركة واحدة رغم تكرار التصريحات لتحقيق ذلك خلال السنوات الماضية. ومن هنا فقد أشار بعض أعضاء مجلس الحكماء إلى أن واقع التكامل الاقتصادي العربي الصعب يقتضي واقعية الخطوات العملية المطلوبة، ولتكن بين الفاعلين لتحقيق ذلك التكامل مثل اجتماع سائقي البرادات الذين ينتظرون بالأيام على الحدود بين الدول العربية، لمعرفة مشاكلهم والتي من خلال حلها يمكن أن يزيد حجم التجارة العربية. كذلك عقد جلسات استماع لخبراء المعارض والتسويق العرب، وما يواجههم من متاعب تجعل وجهتهم الأولى إلى الدول الأوروبية بدلا من الدول العربية. كذلك مسؤولو الجمارك خاصة المستويات الدنيا منهم الذين يتعاملون مع الداخلين والخارجين عبر الحدود، ومندوبو شركات السياحة وكذلك منتجو الثروة الحيوانية وغيرهم من المنتجين مثل منتجي البرمجيات. فمن خلال سماع مشاكل المنتجين يمكن التوصل إلى حلول عملية واقعية، بعكس ما يطرحه الخبراء والأكاديميون من حلول نظرية يظل صداها قاصرا على القاعات المكيفة أو محصورا في الأبحاث للترقيات داخل الجامعات دون أن يكون لها صدى عملي. في ظل انفصام العلاقة بين الجامعات والمراكز البحثية بها وبين الشركات الصناعية. وهكذا يحتاج مجلس الوحدة الاقتصادية العربية إلى الاقتراب أكثر من اهتمامات الشارع العربي ومن رجال الأعمال والمنتجين، حتى يثمر نشاطه عن إفادة عملية، بدلا من استمرار نفس النهج المعتاد بالمزيد من الندوات والمؤتمرات والتوصيات التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ العملي.