17 سبتمبر 2025
تسجيلإن عملية معالجة العنف بالعنف والإرهاب بالإرهاب والقوة بالقوة أثبتت عبر التاريخ أنها لا تصلح ولا تفيد في شيء. الإرهاب هو مرض يبدأ في فكر الإنسان وإذا استطعنا أن نحمي ونحصن الشباب من التطرف والإرهاب ذهنيا وفكريا وأيديولوجيا فلا أحد يستطيع أن يغرر بهم ويجعلهم ينتقمون من الأسرة والحي والمجتمع والدولة. إن محاربة الإرهاب والفكر المتطرف بالاعتداء على الحريات الفردية وخصوصيات الأفراد وحقوقهم قد يؤدي إلى نتائج عكسية وهذا ما وقعت فيه العديد من الدول كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر...إلخ. كان من الأجدر أن تستفيد فرنسا من تجربة الجزائر هذا البلد الذي عانى من العشرية السوداء ودفع ثمنا غاليا. ظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة وخطيرة ولها أبعاد متشابكة محلية وإقليمية ودولية وعليه يجب النظر في معالجتها بدراسة متأنية ومنهجية وباستمرارية وبمثابرة. فالتعامل مع الإرهاب برد الفعل والانتقام والردع والعنف والحقد والضغينة لا يكون في غالب الأحيان الحل الأمثل. فالمشكل ليس مشكل قوة بقدر ما هو مشكل فكر وعقيدة وأيديولوجية. ظاهرة الإرهاب موضوع أعقد بكثير مما يتصوره الكثيرون، فهو ظاهرة مركبة متعددة العوامل والمتغيرات ولا يجب النظر في حلها من خلال غلق بعض المساجد واعتقال كل ملتح أو كل من يصلي صلاة الفجر في المسجد. هذه الإجراءات استعملتها دول عانت من الإرهاب لكن بدون فائدة فالعنف يوّلد العنف ومحاربة التطرف والإرهاب بالقوة والضغينة والحقد والكراهية تؤدي إلى نتائج عكسية. ففرنسا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى إستراتيجية واضحة وشاملة للتعامل مع ظاهرة الإرهاب أمنيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا ودينيا...إلخ. ومن أهم الحلول التي يجب اعتمادها فتح حوار صريح ومباشر مع الشباب لدراسة المشاكل التي يعاني منها والحلول الناجعة لحماية هذه الفئة من المجتمع من الجماعات الإرهابية التي تعمل على استقطابه والغر به لتنفيذ خططها ومشاريعها. الإرهاب أصبح لغة العصر وأصبح لغة المطالب والضغط والتعبير عن الاستياء والرفض...إلخ. فلا يمر يوم إلا ونسمع عن أعمال إرهابية أدت إلى قتل أبرياء وحرق وإتلاف الممتلكات. السؤال هنا ما العمل؟ ومن أفرز الإرهاب؟ ومن المسئول عنه؟ لأن التنديد والبكاء على الأطلال لا يحل المشكلة، والجميع اليوم يلاحظ أن ظاهرة الإرهاب في تنام متزايد وظاهرة الصراع بين الدول والديانات والحضارات والقوى السياسية الفاعلة في العالم كذلك في تزايد. إلى حد الآن المنظومة الدولية فشلت في وضع تعريف شامل وواف وواضح للإرهاب وإلى حد الآن لم يُعالج الإرهاب بطريقة علمية ومنهجية. فهناك ظلم وابتزاز منظم داخل الدولة نفسها أو على المستوى الدولي. فإلى حد الساعة ما زالت المنظومة الدولية تتخبط في التعامل مع الإرهاب. فهناك دول تحاول أن تعالجه بالغطرسة والقوة والعنف وهناك من يعالج الإرهاب بالإرهاب وهناك دول توظف الإرهاب لتحقيق مصالحها...إلخ. فنلاحظ اليوم صراع القوى العظمى في سوريا واستعمال جيوش وأسلحة وطائرات في أرض ليست أرضها، كيف نسمي مثل هذه التصرفات، اختراق سيادة الآخرين، أم الدفاع عن الديمقراطية أم أنه نوع آخر من الإرهاب. فالإرهاب أصبح ظاهرة كونية وخطيرة تهدد أمن أي دولة في العالم مهما كان حجمها وقوتها. فأحداث 11 سبتمبر ما زالت عالقة في أذهان الكثيرين. ما حدث في باريس قبل أيام يشير كذلك إلى سقوط دولة أخرى كبيرة في مخططات الإرهاب. فما يجب النظر إليه هذه الأيام هو ظاهرة المقاتلين الأوروبيين في صفوف داعش.. وتشير الإحصاءات إلى مشاركة ما يزيد على 5000 شاب من دول أوروبية في داعش وهناك من فرنسا لوحدها 1500 شاب التحقوا للجهاد في صفوف داعش. وهذا ما يطرح سؤالا محوريا وهاما، أين هي الدول الأوروبية من كل هذا وأين هي مسؤوليتها في الحد من تمويل قوة إرهابية من حجم داعش بشباب ولدوا على أراضيها ودرسوا في مدارسها وتربوا في أزقتها. والتاريخ يعود بنا إلى أزمة الجزائر 1990-2000 حيث كانت العناصر الإرهابية في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا تصول وتجول وتجمع الأموال والأسلحة والدخيرة وترسلها إلى الإرهابيين في الجزائر، وقوى أمن هذه الدول تتفرج ولم تحرك ساكن. ففي مسجد «فينسبوري بارك» في لندن كانت الأموال تُجمع وكانت الفتاوى تُقدم من قبل أبو حمزة المصري وغيره من منظري الإرهاب لسفك دماء الجزائريين والجميع بما فيهم سكتلوند يارد يتفرج.