19 سبتمبر 2025
تسجيلانتظر العالم قمة العشرين التي انعقدت في أنتاليا في تركيا.. انتظرها لأنها تجمع الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم. هذا في المبدأ لكن الدول التي يجمعها نادي العشرين ليست على خط واحد في التوجه السياسي بل هي تختلف أحيانا بين بعضها البعض إلى درجة العداوة والكراهية والذهاب إلى حروب فيما بينها. من أمثلة ذلك الصراع الأمريكي – الروسي المحتدم، والتنافس الأمريكي – الصيني، والخلاف الكبير بين روسيا وكل من تركيا والسعودية حول ملفات إقليمية متعددة وفي رأسها سوريا. قمة العشرين كان مقدرا لها أن تكون مناسبة وفرصة لكل هذه الدول لتتشارك في الحد الأدنى في بعض التوافقات الدولية حول مشكلات كثيرة.. وكانت سوريا في رأس هذه المشكلات. غير أن الهجمات التي قام بها تنظيم «داعش» في باريس وأسفرت عن مقتل أكثر من 130 مدنيا ومئات الجرحى قلبت الأولويات رأسا على عقب. إذ قبل أقل من 30 ساعة على افتتاح القمة كانت اهتمامات الزعماء والعالم في مكان آخر. ولا شك أن أكبر التحديات التي طرحتها هجمات باريس على القمة هي كيفية مواجهة الإرهاب العالمي المتزايد والذي تمثله بإجماع الدول مجموعات في رأسها تنظيم «داعش». وقد بدا واضحا التباين في المواقف بين الدول.الكل يدعو لمحاربة الإرهاب لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثلا فجر قنبلة في القمة بقوله إن أكثر من أربعين دولة في العالم تدعم الإرهاب من بينها دول في مجموعة العشرين. ليس أكثر من هذا الوضوح لتأكيد التباين بين أعضاء قمة العشرين. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لم يشارك في المؤتمر وقد أكد أن بلاده في حرب حقيقية مع الإرهاب ولا سيما تنظيم «داعش».وقد أرسل لهذه الغاية حاملة الطائرات شارل ديغول إلى البحر المتوسط لتستكمل ما كانت الطائرات الفرنسية قد بدأت به في ضرب معاقل داعش ولا سيما في مدينة الرقة التي تعتبر المركز الرئيس لهذا التنظيم. هجمات باريس قرّبت إلى درجة التحالف بين روسيا وفرنسا بالنسبة لمحاربة تنظيم داعش. فما قبل هجمات باريس الضخمة هو غير ما بعده. وما فعلته الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001 هو ما ستفعله باريس بعد هجمات 14 نوفمبر.ليس أمام فرنسا سوى الرد وبعنف وانتقام على أمر لا يمكن لها أن تتعامل به بغير طريقة سوى الحرب الشاملة. ليس فقط لأن الحزب الاشتراكي هو في السلطة ولا يريد أن يظهر بمظهر الضعيف والمتخاذل والتقصير في الدفاع عن الأمن القومي الفرنسي بل لأن الأمر يتعلق بكل الأمة الفرنسية. أيضا فإن هجمات باريس كانت فرصة لبعض القادة في قمة العشرين للتواصل واتباع سياسات مغايرة إلى حد ما. من ذلك إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن بلاده ستبدأ عمليات مشتركة مع تركيا لإغلاق ما تبقى من حدود تركية مع سوريا يستفيد منها تنظيم «داعش». لم يوضح كيري آلية هذا التعاون لكن الأرجح أنه يقصد تنظيف المنطقة السورية الممتدة من جرابلس إلى مارع على الحدود التركية من عناصر داعش ومنع تواجدهم هناك. وفي ظل تأكيد أوباما أن واشنطن تعارض المنطقة العازلة وإقامة منطقة حظر جوي ورفض التدخل البري في سوريا كما في العراق فإن تركيا تجد نفسها على طرفي نقيض مع الولايات المتحدة حيث إن أنقرة تصر على هذه المطالب وهي ساومت أوروبا على المنطقة العازلة مقابل التعاون في مسألة اللاجئين. مع ذلك فإن هجمات باريس سرّعت في العمل المشترك بين واشنطن وأنقرة لضرب داعش في سوريا. أيضا سرّع إعلان روسيا أن إسقاط الطائرة الروسية في سيناء كان بسبب قنبلة زرعت في ذيلها، في تكثيف هجماتها وإعلان بوتين أن بلاده ستنتقم أكبر الانتقام. بين هجمات باريس وإسقاط الطائرة الروسية ذهبت قمة العشرين في وجهة مختلفة هي الحرب على الإرهاب ليفرض هذا العنوان نفسه على السلوك العالمي في الأسابيع والأشهر المقبلة والذي ستكون له تبعاته ومعادلاته الجديدة.