11 سبتمبر 2025
تسجيلإن التواجد عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدأ كنوع من المشاركة والإطلاع والتبادل في المعرفة والآراء، وانتهى به الأمر إلى كونه ظاهرة سلبية في بعض جوانبها وإيجابية في زوايا أخرى كثيرة. لقد تأثرت العلاقات الواقعية بذلك التواصل من خلال الإفراط في الاستخدام، إضافة إلى تعدد الرغبات الشخصية والحاجات التي يفترض البعض القدرة على تحقيقها بأسلوب وكيفية مناسبة ومرضية له من خلال الشبكات الاجتماعية. لقد أصبحت النظرة عند البعض لوسائل التواصل الاجتماعي نظرة سلبية بحتة، ذلك لأنها بنيت على بعض الآثار غير المرضية التي تختص بالتجاوزات الأخلاقية والاجتماعية بل والدينية في بعض الأحوال، لذلك فإن التعميم في مثل هذه الأحكام هو افتراضي وغير دقيق أيضا. وتشير الملاحظات أنه كلما كانت العلاقات الواقعية غير سليمة وغير مستقرة كلما تم تعويضها بوسائل أخرى لتحقيق الحاجة الاجتماعية. من ناحية أخرى فإن الاعتدال في التواصل الافتراضي يجعله من الاهتمامات المشتركة بين أفراد الأسرة الواحدة ضمن ضوابط مقبولة، حيث يصبح في أفضل حالاته وسيلة لتبادل الآراء والانفتاح على العالم بثقافاته المختلفة. إن التجديد والتنويع المستمر الذي تحققه مثل هذه المواقع جعل الرغبات مستمرة في معرفة كل ما هو جديد، والإشكالية عند البعض هو تحول ذلك النوع من التواصل إلى عادة إدمانية يمارسها الفرد بلا حدود ولا ضوابط، بل إن البعض يتعامل معها كمتنفس وحيد لجميع رغباته وحاجاته المقبولة وغير المقبولة. وبالرغم أن الكثيرين قد لا يخططون لعلاقات إلكترونية دائمة أصلاً ـ لأن الهدف في الغالب هو المشاركة والتعرف على الآراء المختلفة أكثر من بناء علاقات شخصية فردية ـ إلا أن بعض هذه العلاقات قد تتحول إلى علاقات حقيقية دائمة تأخذ شكلا واقعيا ملموسا. إن الحرية في انتقاء الأفراد الذين يرغب الإنسان بالتواصل معهم قد لا تتحقق من خلال العلاقات الواقعية التي تعتبر مفروضة في تصور البعض من زوار مواقع التواصل الاجتماعي، والأزمة التي يقع فيها البعض هي العزوف عن الواقع الحقيقي واستبداله على المدى البعيد بواقع افتراضي معرض للانتهاء السريع، ذلك أن الممارسة الفعلية للعلاقات ـ من خلال التبادل والمشاركة ـ لا يمكن أن تكون متكاملة من خلال خطوط وهمية للتواصل معرضة للانتهاء في أي وقت وبأي شكل. لقد وظف البعض ميله الاجتماعي نحو تلك الوسائل بعلاقاتها الافتراضية عندما نقل تلك الصداقات لأرض الواقع وجعلها فاعلة في الأخذ والعطاء، ومنحها روح المشاركة الواقعية، كما أن البعض نقل شيئا من علاقاته الحقيقية لذلك الواقع الافتراضي ووسع من دائرة التواصل بل وجعله أكثر تنوعاً. ومع السلبيات والإيجابيات يظل التواصل الاجتماعي من خلال هذه الوسائل المختلفة نقلة نوعية في فهم الشخص لذاته ولعلاقاته بل وللعالم المتسع من حوله، إنه وسيلة سريعة ومرنة لمسايرة التقدم في المجالات المختلفة، وهو أداة للتبحر في الحكمة والتجارب الشخصية التي كانت أنموذجا واقعياً في مراحلها ومحطاتها، ولعل ميزة الكثير من شبكات التواصل الاجتماعية اليوم هي استيعابها لجميع الفئات والأعمار وفتح مجالات للتعبير والتنفيس بل وللمنافسة للظهور وإثبات الذات.