12 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة قابلة للاستثمار

21 نوفمبر 2012

لا تفعل الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة أكثر من أنها تؤكد صورة إسرائيل ككيان معتد لا يمكن التعايش الآمن معه في إطار أي صيغة إقليمية مستقرة. فهذا الكيان لا يتورع من أجل مصالحه السياسية المحدودة عن أن يستهدف المدنيين العزل بقذائفه، بل هو حتى لا يتورع عن المتاجرة بأرواح مواطنيه، فهو يعرضهم لضربات المقاومة الانتقامية، لا لشيء إلا لكي يضمن للحكومة القائمة حاليا النجاح في الانتخابات القادمة بوصفها حامية حمى إسرائيل كما تدعي وتروج في دعايتها الكاذبة. ورغم فداحة العدوان إلا أنه يمكن استثماره على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي، فشعبيا يمكن للجماهير العربية والإسلامية أن تستغل هذا العدوان لإيصال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية مفادها أن إسرائيل من خلال مغامراتها الإقليمية الحمقاء لن تكون رصيدا استراتيجيا للولايات المتحدة وإنما ستمثل عبئا يهدد استمرار واستقرار مصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار لا بأس من أن تستدعي الجماهير حالة استنفار شبيهة بتلك التي صاحبت أزمة الفيلم المسيء. فإذا كانت الجماهير الغاضبة قد وجدت ما يربط بين الإدارة الأمريكية وبين إنتاج فيلم رديء صور على أراضيها، فبالأحرى أن تجد ما يربط بين السيناريو الوقح الذي تنفذه الحكومة الإسرائيلية وبين الإدارة الأمريكية التي تجد دوما مبررات للعدوان الذي تمارسه حليفتها. بل إنه يمكن القول إن الرابطة التي تربط بين الاثنين أوضح بكثير في حالة الأزمة الأخيرة، فإسرائيل إنما تعول في عدوانها على الدعمين المادي والمعنوي الذي تتلقاه من الإدارة الأمريكية. من ناحية أخرى تعد الأحداث الجارية فرصة أمام أنظمة الربيع العربي وفي مقدمتها النظام المصري لكي تظهر استقلالا أكبر في تحركاتها الخارجية وفي تعبيرها عن مصالحها الإقليمية عن الولايات المتحدة. وذلك بتوقف هذه الأنظمة عن لعب دور الوكيل عن المصالح الأمريكية في المنطقة. ويتطلب هذا أن تتغلب الأنظمة المنتخبة على إغواء "الصداقة الأمريكية" الذي يسيطر على القادة في مثل هذه الظروف، فقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية الطلبات الحارة الموجهة للنظام المصري، بوصفه الصديق الأمريكي المخلص، لكي يستخدم نفوذه لوقف العنف، صحيح أن هذا الطلب الأمريكي يبث في النظام المصري ثقة يحتاجها في المرحلة الحالية، ولكن هذه الثقة لا ينبغي أن تتقدم على المطالب الشعبية التي تريد منه أن يعكس أهداف الثورة ومنها استقلال القرار الوطني وتعرية العدوان الإسرائيلي. لقد حور البعض الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العدوانية على قطاع غزة من "عمود السحاب" إلى عمود الأزمات، وهذا ما يجب أن يسعى التحرك السياسي والشعبي العربي والإسلامي إلى تأكيده، فالعدوان الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية لا ينبغي أن يمر هذه المرة مرور الكرام، وإنما ينبغي أن تتبلور نتائجه السلبية على شكل أزمات تتحملها النخبة الإسرائيلية، وأبسط مظاهر ذلك أن يتسبب هذا العدوان في عرقلة الطموحات الانتخابية لحكومة نتنياهو، كما يجب أن يكون من ثمرات ذلك تعميق هوة الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، بإشعار الإدارة الأمريكية بشكل أو بآخر أن دعمها غير المحدود وغير العقلاني لإسرائيل سوف يسفر عن نتائج سلبية على مصالحها الأكيدة في المنطقة. صحيح أن الانحياز الأمريكي للمصالح الإسرائيلية ليس مبنيا على اعتبارات منطقية يمكن تحديها أو إظهار عوارها بسهولة، ولكن حكومة نتنياهو قد ذهبت في لاعقلانيتها شوطا أبعد مما تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية أن تبرره لناخبيها، فالإسرائيليون يظهرون حاليا وكأنهم ضد كل الجميع، فهم يعرقلون نهج التسوية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية ويعارضون سعيها الحصول على اعتراف دولي من خلال الأمم المتحدة، كما أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون أن يحترموا التهدئة التي عقدوها مع الطرف الآخر من المشهد الفلسطيني ممثلا في حكومة حماس في القطاع. ولهذا فإن الفرصة مواتية على نحو أكبر هذه المرة لفضح الممارسات الإسرائيلية، خاصة أن الطرف الإسرائيلي قد بدأ تصعيدا لا يعرف كيف ينهيه، فالضربات الإسرائيلية لن تنجح في كسر إرادة الفلسطينيين ولن توقف صواريخ المقاومة، كما أن اغتيال القادة الميدانيين والزعماء السياسيين لن ينهي مشاكل دولة الاحتلال، فعناصر المقاومة قادرة على إحلال قيادات جديدة وشابة محل القيادات المستهدفة في كل مرة. أما خيار إعادة احتلال غزة فلا يمكن لنتنياهو أن يفكر فيه، وهو يعرف تبعاته التي لن تقل عن الإطاحة به خارج المشهد السياسي إلى الأبد. من ناحية أخرى فإن تمدد ظاهرة الربيع العربي، وتحول الأنظمة السياسية العربية إلى الطابع المدني في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن يزيد من عزلة إسرائيل التي أدمنت السلوك العسكري والحلول المسلحة الأمر الذي يجردها من مزاعمها التي كانت تتشدق بها من كونها واحة الديمقراطية الوحيدة في وسط محيط من الاستبداد العربي. الأحداث الراهنة تذهب بهذه الفرضية إلى عكس مدلولها تماماً، حيث تبدو إسرائيل كطرف شاذ يسعى للعنف ويحسم خلافاته بالقوة، في وسط محيط عربي ينحو ناحية التحرر من الاستبداد. الأمر المهم أن يتمتع هذا المحيط العربي الرسمي والشعبي بالفاعلية التي تمكنه من أن يردع هذا العدوان الإسرائيلي، وأن يخرج إسرائيل هذه المرة بهزيمة سياسية تحول بينها وبين التفكير في مغامرة شبيهة في المستقبل. لا تفعل الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة أكثر من أنها تؤكد صورة إسرائيل ككيان معتد لا يمكن التعايش الآمن معه في إطار أي صيغة إقليمية مستقرة. فهذا الكيان لا يتورع من أجل مصالحه السياسية المحدودة عن أن يستهدف المدنيين العزل بقذائفه، بل هو حتى لا يتورع عن المتاجرة بأرواح مواطنيه، فهو يعرضهم لضربات المقاومة الانتقامية، لا لشيء إلا لكي يضمن للحكومة القائمة حاليا النجاح في الانتخابات القادمة بوصفها حامية حمى إسرائيل كما تدعي وتروج في دعايتها الكاذبة. ورغم فداحة العدوان إلا أنه يمكن استثماره على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي، فشعبيا يمكن للجماهير العربية والإسلامية أن تستغل هذا العدوان لإيصال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية مفادها أن إسرائيل من خلال مغامراتها الإقليمية الحمقاء لن تكون رصيدا استراتيجيا للولايات المتحدة وإنما ستمثل عبئا يهدد استمرار واستقرار مصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار لا بأس من أن تستدعي الجماهير حالة استنفار شبيهة بتلك التي صاحبت أزمة الفيلم المسيء. فإذا كانت الجماهير الغاضبة قد وجدت ما يربط بين الإدارة الأمريكية وبين إنتاج فيلم رديء صور على أراضيها، فبالأحرى أن تجد ما يربط بين السيناريو الوقح الذي تنفذه الحكومة الإسرائيلية وبين الإدارة الأمريكية التي تجد دوما مبررات للعدوان الذي تمارسه حليفتها. بل إنه يمكن القول إن الرابطة التي تربط بين الاثنين أوضح بكثير في حالة الأزمة الأخيرة، فإسرائيل إنما تعول في عدوانها على الدعمين المادي والمعنوي الذي تتلقاه من الإدارة الأمريكية. من ناحية أخرى تعد الأحداث الجارية فرصة أمام أنظمة الربيع العربي وفي مقدمتها النظام المصري لكي تظهر استقلالا أكبر في تحركاتها الخارجية وفي تعبيرها عن مصالحها الإقليمية عن الولايات المتحدة. وذلك بتوقف هذه الأنظمة عن لعب دور الوكيل عن المصالح الأمريكية في المنطقة. ويتطلب هذا أن تتغلب الأنظمة المنتخبة على إغواء "الصداقة الأمريكية" الذي يسيطر على القادة في مثل هذه الظروف، فقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية الطلبات الحارة الموجهة للنظام المصري، بوصفه الصديق الأمريكي المخلص، لكي يستخدم نفوذه لوقف العنف، صحيح أن هذا الطلب الأمريكي يبث في النظام المصري ثقة يحتاجها في المرحلة الحالية، ولكن هذه الثقة لا ينبغي أن تتقدم على المطالب الشعبية التي تريد منه أن يعكس أهداف الثورة ومنها استقلال القرار الوطني وتعرية العدوان الإسرائيلي. لقد حور البعض الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العدوانية على قطاع غزة من "عمود السحاب" إلى عمود الأزمات، وهذا ما يجب أن يسعى التحرك السياسي والشعبي العربي والإسلامي إلى تأكيده، فالعدوان الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية لا ينبغي أن يمر هذه المرة مرور الكرام، وإنما ينبغي أن تتبلور نتائجه السلبية على شكل أزمات تتحملها النخبة الإسرائيلية، وأبسط مظاهر ذلك أن يتسبب هذا العدوان في عرقلة الطموحات الانتخابية لحكومة نتنياهو، كما يجب أن يكون من ثمرات ذلك تعميق هوة الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، بإشعار الإدارة الأمريكية بشكل أو بآخر أن دعمها غير المحدود وغير العقلاني لإسرائيل سوف يسفر عن نتائج سلبية على مصالحها الأكيدة في المنطقة. صحيح أن الانحياز الأمريكي للمصالح الإسرائيلية ليس مبنيا على اعتبارات منطقية يمكن تحديها أو إظهار عوارها بسهولة، ولكن حكومة نتنياهو قد ذهبت في لاعقلانيتها شوطا أبعد مما تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية أن تبرره لناخبيها، فالإسرائيليون يظهرون حاليا وكأنهم ضد كل الجميع، فهم يعرقلون نهج التسوية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية ويعارضون سعيها الحصول على اعتراف دولي من خلال الأمم المتحدة، كما أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون أن يحترموا التهدئة التي عقدوها مع الطرف الآخر من المشهد الفلسطيني ممثلا في حكومة حماس في القطاع. ولهذا فإن الفرصة مواتية على نحو أكبر هذه المرة لفضح الممارسات الإسرائيلية، خاصة أن الطرف الإسرائيلي قد بدأ تصعيدا لا يعرف كيف ينهيه، فالضربات الإسرائيلية لن تنجح في كسر إرادة الفلسطينيين ولن توقف صواريخ المقاومة، كما أن اغتيال القادة الميدانيين والزعماء السياسيين لن ينهي مشاكل دولة الاحتلال، فعناصر المقاومة قادرة على إحلال قيادات جديدة وشابة محل القيادات المستهدفة في كل مرة. أما خيار إعادة احتلال غزة فلا يمكن لنتنياهو أن يفكر فيه، وهو يعرف تبعاته التي لن تقل عن الإطاحة به خارج المشهد السياسي إلى الأبد. من ناحية أخرى فإن تمدد ظاهرة الربيع العربي، وتحول الأنظمة السياسية العربية إلى الطابع المدني في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن يزيد من عزلة إسرائيل التي أدمنت السلوك العسكري والحلول المسلحة الأمر الذي يجردها من مزاعمها التي كانت تتشدق بها من كونها واحة الديمقراطية الوحيدة في وسط محيط من الاستبداد العربي. الأحداث الراهنة تذهب بهذه الفرضية إلى عكس مدلولها تماماً، حيث تبدو إسرائيل كطرف شاذ يسعى للعنف ويحسم خلافاته بالقوة، في وسط محيط عربي ينحو ناحية التحرر من الاستبداد. الأمر المهم أن يتمتع هذا المحيط العربي الرسمي والشعبي بالفاعلية التي تمكنه من أن يردع هذا العدوان الإسرائيلي، وأن يخرج إسرائيل هذه المرة بهزيمة سياسية تحول بينها وبين التفكير في مغامرة شبيهة في المستقبل.