17 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب ليست مخرجاً مريحاً لسوريا أو إيران

21 نوفمبر 2011

أعادت الأزمة السورية، وكذلك أزمة البرنامج النووي الإيراني، المنطقة العربية إلى توتر بمستوى استراتيجي، لم يتردد نظام دمشق في التهديد بإشعال الشرق الأوسط، رداً على أي تدخل عسكري في سوريا، مع علمه بأن الأطراف التي يمكن أن تكون معنية بمثل هذا التدخل لا تريده، أما النظام نفسه فطالما تطلع إلى أي تدخل على أنه خشبة خلاصه من ورطته الداخلية. على عكس النظام السوري، لا يتمنى النظام الإيراني حرباً بل يسعى إلى تجنبها، وهو يبذل كل ما يستطيع لحماية برنامجه النووي بمنأى عن أي خطر عسكري، هذا لا يمنعه من التحدي بأعلى صوته لئلاً يستضعفه الطرف الآخر، والأكيد أنه يبقى على جهوزيته، ولا يستبعد احتمال الحرب حتى لو كان تحليله للمواقف الدولية، بما فيها الإسرائيلية، يظهر أن ما يتعرض له حالياً هو حرب نفسية قد تفضي إلى جولة أخرى من التفاوض مع الدول الكبرى، وربما تؤدي لاحقاً إلى حزمة جديدة من العقوبات، لكن نظام طهران يراقب بقلق ما يحصل في سوريا، وكلما طالت الأزمة تزداد قناعته بأن حليفه السوري دخل في مجازفة غير مأمونة العواقب، صحيح أن نظام دمشق لا يزال متمتعاً بقوته، لكن فشله في إخماد الانتفاضة فاقم المخاطر الحائقة به. كانت طهران نصحت دمشق باعتماد الإيجابية حيال المساعي العربية من أجل قطع الطريق على أي نوع من التدويل، خصوصاً إذا اعتمد فيه النمط ذاته كما بالنسبة إلى ليبيا، لكن، مع اقتراب سوريا من فقد الغطاء العربي، وتنبيهها إلى أن "النموذج الليبي" لن يتكرر عندها، لم يكن هناك في المجتمع الدولي من فكر بتكرار ذلك النموذج الذي ربما حتّمه الموقع الجغرافي لليبيا، فضلاً عن طبيعة نظام القذافي المرفوض دولياً منذ زمن. واقعياً، ما يستبعد أي تدخل في سوريا هو وجودها على حدود إسرائيل وفي "حال حرب"، ولو نظرياً معها، ومع ذلك فإن وضعها الداخلي لم يعد مقبولاً، لا عربياً ولا دولياً، وقد أعطي النظام كل الفرص التي أرادها للإمساك بزمام الأمر، إصلاحاً أو تغييراً، بالحوار أو حتى بالقوة الأمنية. وعندما اتضح انه لم يفلح بات ضرورياً اللجوء إلى أي حل عربي ممكن، تحديداً لأن التدويل غير متاح. قرأت دمشق المسعى العربي بمقاربات مختلفة، لكنها كانت تفضل مبدئياً أن تحافظ الجامعة العربية على سياستها التقليدية، أي ألا تتدخل إلا إذا طلب منها وفي إطار وظيفتها كتجمع يخدم الأنظمة والحكومات ولا يعتبر معنيا بالشعوب، وبعدما أقفل الفيتو الروسي-الصيني أبواب مجلس الأمن، وبالتالي أبواب التدويل، أصبح التعريب منهجاً لابد منه وقد يكون التفافياً بحيث إذا فشل يضعف الموقف الروسي ويعيد طرح التدويل أقله في المجال الإنساني لا العسكري، لكن أيضا في مجال آخر خطير على النظام السوري، وتبين للنظام السوري أن العرب ليسوا مستعدين للعب لعبة الدم كي يخوضها هو يومياً، بل جاؤوا بشرط واحد هو أن يتوقف القتل وأن يبدأ الحوار وفقاً لأهداف واضحة وجدول زمني محدد. أي أنه لا يمكن للنظام أن يستغل أي هدنة لاستكمال القمع والاعتقالات، كما أن أي هدنة يجب أن تثبت بإحراز تقدم سياسي وإلا فإنها معرضة للسقوط. بالنسبة إلى الجامعة العربية لم يكن هناك ما يمنع مساعدة النظام السوري إنما فقط في اتجاه وقف العنف ووضع الأزمة على سكة حل سياسي، غير أن النظام كان قد ذهب بعيداً في الاعتماد على العنف وسيلة للبقاء في السلطة، أو في أسوأ الأحوال لفرض جرعة محدودة من الإصلاحات، هي كل ما يمكنه استيعابه الآن، رغم أن الانتفاضة تجاوزت هذا الخيار ولم يعد الشارع يرتضي بأقل من سقوط النظام بسبب إفراطه في إراقة الدماء، وكيفما تطور "الحل العربي" فإنه سيواجه دائماً تلك النزعة الدموية عند النظام وهذه النزعة لإسقاطه عند الشعب، في المقابل، كثرت المؤشرات لدور تركي متصاعد، ورغم أن أنقرة أيدت التحرك العربي الذي اتخذ منحى تصعيدياً لافتاً، فإن مناقشات الرباط على هامش المنتدى العربي-التركي أبدت شكوك الطرفين في إمكان نجاح هدف "وقف العنف"، قيل إن تفاهماً أولياً حصل على التنسيق بينهما، وكان واضحا أن الجانب التركي يريد التأكد من صلابة الموقف العربي وإلى أي حد يستطيع الاستناد إليه في حال باشر خطوات عملية لدعم الجنود السوريين المنشقين، أو لتطبيق الفكرة القائمة منذ شهور بشأن إقامة "منطقة عازلة"، ويبدو أن هذا التنسيق الثنائي، الذي بقي مبدئيا، أثار أيضا اهتمام الأوروبيين، خصوصاً أن الجانب العربي يبحث عن خبرات دولية مفيدة في مجال حماية المدنيين. إيران في أزمتها مع دول الغرب، تحاول الإيحاء بأنها لم تغب عن الشأن السوري، فالأمين العام لحزب الله اللبناني وصف الوضعين السوري والإيراني بأنهما صارا الآن مرتبطين بحكم الاستهداف الغربي للنظامين. لكن ارتباط المسارين لا يعني تلقائيا ارتباط المصيرين، فإيران معنية أولاً بالدفاع عن نفسها ثم عن النظام السوري من دون أن تجاريه في أي تهور يقدم عليه لضمان بقائه، قد تعمد إلى تحريك بعض أوراقها في الخليج إلا أنها لن تذهب إلى مواجهات مباشرة مع أي دولة في المنطقة، لئلاً تبرر أي ضربة عسكرية لأراضيها ومنشآتها، وهكذا تتضح الخطوط الحمراء التي يتحرك الثنائي السوري-الإيراني في ظلها، وهي لا تعني سوى أمر واحد هو أن الحرب ليست خياره المتاح والمريح، أما إذا تركت إسرائيل تنفرد بالضربة الأولى لإيران فعندئذ تختلط الأوراق وتتغير المواقف كلياً، لكن الحجة الأمريكية الأخيرة لردع إسرائيل هي أن الحرب خطر على الاقتصاد العالمي.