13 سبتمبر 2025
تسجيلمن أبرز ظواهر الحياة الاجتماعية في تاريخ الإنسان، تدينه العميق الذي يجعله خاضعاً لإله قدير، يرجو رحمته ويخاف عذابه، ومن أبرز خصائص الديانات أثرها الكبير في توجيه الأفراد والجماعات، وسلطانها على مشاعرهم واتجاهاتهم، ومن هنا لعبت الديانات دورا كبيرا في قيام الحضارات ونشوء الأمم واندثارها، ولا تكاد تجد دينا خلا من النزعة الإنسانية الرحيمة. وأدياننا الكبرى في شرقنا العربي والإسلامي تلتقي عند هذا الغرض، وحسبك من المسيحية قول السيد المسيح عليه السلام: "احبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم"، أما الإسلام فآيات القرآن في الحب والصفح والرحمة وعمل الخير للناس، ولا تكاد تحصى الأحاديث التي تحث على ذلك وترغب فيه، وحسبك من الإسلام قوله تعالى في وصف عباده المؤمنين: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)،"الفرقان: 63". وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله" رواه البزار. وهكذا تتعاون دياناتنا على نشر السلام والوئام بين الناس، وترغيبهم في العيش معاً إخوة متحابين بل إن الإسلام ليقرر أن اختلاف الناس في أديانهم أمر طبيعي من ضرورات الحياة، وفي ذلك يقول الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). بهذه الروح اتسع تاريخ الديانات عندنا ليسجل أروع الصفحات في تاريخ التعاون على الخير وهل ننسى ما كان لتعاون الإسلام والمسيحية في العصر العباسي من آثار كبيرة في العلم والثقافة. ولست أرى في التاريخ أروع من موقف شيخ الإسلام ابن تيمية حين جاء إلى أمير التتار يطلب إليه إطلاق سراح الأسرى، فأجابه الأمير إلى إطلاق سراح الأسرى المسلمين وحدهم دون اليهود والمسيحيين فأبى ابن تيمية رحمه الله وقال: "لابد من إطلاق سراح هؤلاء أيضا فإنهم أهل ذمتنا لهم ذمة الله ورسوله، فأطلق الأمير سراحهم جميعا". في بداية القرن الثامن الهجري شهدت مصر أعواما سوداء.. فقد أساء بعض الموظفين من أهل الذمة معاملة المسلمين وأذاقوهم ألواناً من المهانة والذل، فقابلهم جهلة المسلمين بإحراق بعض الكنائس، فرد عليهم بعض المتعصبين من الكهان والرهبان بإحراق بعض المساجد.. وكادت القاهرة تتحول إلى أتون ناري لا يبقي ولا يزر لولا أن حزم السلطان أمره، وعاقب مسببي الفتنة من الجانبين.. إن إساءة الموظف المسيحي لمواطنيه المسلمين أمر لا تدفعه إليه مسيحيته، وإنما تدفعه إليه طائفيته الجاهلة بسماحة المسيحية.. وان احراق المسلم لبعض الكنائس أمر لا يدفعه إليه إسلامه، إنما يدفعه إليه جهله بالإسلام ومبادئه في معاملة غير المسلمين!! أما أنه ما من شك في أن العلة هي الجهل بوجه عام وبالدين بوجه خاص، وأن المستفيد من ذلك هم أعداء الأمة من المستعمرين والظالمين والطغاة، وأن العلاج الناجع هو العودة للمبادئ الإنسانية في كل دين. إن الفرق بين الدين والطائفية هو فرق ما بين النور والظلام، والعلم والجهل، والحق والباطل. الدين إخاء وتعارف ولقاء.. والطائفية عداء وتقاطع وجفاء. الدين حب ورحمة وسلام.. والطائفية كره وقسوة وخصام. الدين وفاء وحسن خلق.. والطائفية غدر وسوء خلق.. الدين شرعة الله ورسالته.. والطائفية شرعة الشياطين ووسوستهم.. أيها الشباب، هذا هو الفرق بين الدين والطائفية، وهو فرق عميت أنباؤه على كثير من الزعماء ورجال الأحزاب ودعاة الإصلاح، فحاربوا الدين وهم يظنون أنهم يحاربون الطائفية وكرهوا دعوة الدين وهم يظنون أنها دعوة إلى الطائفية.. وما دروا أنهم بذلك يجردون الأمة من أقوى أسلحتها للقضاء على الطائفية وما تجر وراءها من شقاء وبلاء.. أيها الشباب، أرجعوا إلى الدين.. وذروا طائفيتكم.. أيدوا دعوة الدين.. وحاربوا دعاة الطائفية.. أقبلوا على العلم؛ فالعلم في الحرب سلاح الأعزل.. والعلم في السلم أعز مطلب.. العلم يخرج الناس من الظلمات إلى النور.. والعلم بالدين يقضي على شياطين الطائفية. شباب العرب يا مناط الأمل تزودوا بالعلم للمستقبل فالعلم في الحرب سلاح الأعزل والعلم في السلم أعز مطلب وأخيراً، أيها الشباب: (كونوا متدينين.. وحذار أن تكونوا طائفيين).