13 سبتمبر 2025
تسجيلأي أحد منا إن تولى مسؤولية ما، كإدارة قسم، أو إدارة، أو وزارة، أو أكبر من ذلك كله، فإنه يأتي وكله رغبة دون شك، في إحداث تغيير معين في المساحة الممنوحة له للتغير أو المناورة فيها، إن صح التعبير. وعلى ذلك، وقبل الشروع والانطلاق في مشروع التغيير المأمول، لابد أن يكون المسؤول على يقين تام أن هناك من سيعارضه في فكرته أو رأيه أو مشروعه بشكل عام. تلك نقطة أولى أساسية في هذه المقدمة، لابد من الاهتمام بها ومعالجتها سريعاً كتحدٍ يفرض نفسه منذ البداية. أن تجد من يعارضك في العمل، سواء كنت رئيساً أو حتى مرؤوساً، فهذا أمر طبيعي، بل لا شيء في ذلك مطلقاً، باعتبار اختلاف البشر في طبائعهم وأمزجتهم وأفكارهم، وبالتالي أيها المسؤول، مديراً كنت أم وزيراً أم أكبر من ذلك، ستلقى من يختلف معك، طالما أنك في مجتمع بشري. هذه المعارضة إن كانت موجودة أو ستظهر عاجلاً أم آجلا،، فلا يجب أن تعتبرها مشكلة في حد ذاتها، كما أسلفنا، ولا تحتاج ذاك الوقت والجهد في ابتكار طرق القمع والمنع، لأنه بدلاً من ذلك، تحتاج لمهارة أساسية مهمة تتمثل في كيفية كسب واحتواء المعارضين، أو الحرس القديم لمن كان مسؤولاً عنهم قبل مجيئك، وبالتالي تحويل معارضتهم لقوة دفع إضافية لمشروع التغيير عندك، بدلاً من أن تتحول قوة معارضتهم لكوابح وموانع تعيق البدء في مشروعك، وتدخل في صدام لا طائل من ورائه، وقد يستمر طويلاً مستنزفاً جهدك ووقتك ومواردك. التغيير كما هو مفهوم في علوم الإدارة، عملية سلوكية في المقام الأول. وهذا الأمر أو المفهوم، يقتضي من قائد التغيير أن يتمتع بحسن معاملة من يقفون في وجهه، لأنهم بكل بساطة، مجموعة بشرية تتمتع كما هو يتمتع، بعقول ومشاعر وأمزجة، والتي لابد أن بها حيزاً من الخير، مهما كان حيز أو مساحة الشر والسوء عندهم واسعة وممتدة. التحدي الحقيقي إن التحدي الحقيقي للمسؤول هاهنا، أو صاحب مشروع التغيير، هو الوصول إلى ذلك الجزء أو حيّز الخيّر عند معارضيه، والعمل على استثماره جيداً، وبما يعود بالنفع عليهم جميعاً وعلى المشروع التغييري بشكل عام. إنك أيها المسؤول، باستثمارك الصحيح لتلك الجزئية الخيّرة فيهم، يعني إمكانية الانطلاق إلى أبعد من التغيير والإصلاح بشكل تدريجي لتصل إلى نقطة الولاء، التي إن وصلتها، فقد تكون حققت هدف الاستمرار كزعيم أو مسؤول محبوب مطاع، والذي سيعينك نجاحك في ذلك الهدف على النجاح كذلك في مشروعك التغييري أو الإصلاحي. التعامل مع المخالف فن يتطلب مهارة فائقة لابد من توافرها فيمن ينصب نفسه زعيماً أو قائداً يطرح مشروعات تغييرية.. ولنا في سيرته العطرة – صلى الله عليه وسلم - الكثير من المواقف التي لو كان أحد غيره واجهها، لغضب لنفسه كثيراً، لأنها كانت خارج نطاق الصبر والتحمل البشري. خذ مثالاً على ذلك، قصة زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول معه - صلى الله عليه وسلم - يوم أن قال (ليخرجن الأعز منها الأذل) ويقصد بالأعز نفسه.. ثم كيف اندفع ولده عبدالله ليغضب لرسول الله وطلب من الرسول الكريم أن يقتل أباه بنفسه. لكنه - صلى الله عليه وسلم - رفض ذلك بشدة، رغم ضرر ابن سلول البالغ على الإسلام والمسلمين في تلك الفترة، وهم بعدُ في فترة بناء الدولة وبداية طريق طويل صعب.. لو تتأمل في القصة، ستقول دون شك: ما فائدة أن يسمح الرسول الكريم بقتل منافق، ولو كان مؤذياً للإسلام والمسلمين، أو منافق آخر مثله مدفوع لتشويه سمعة رأس الدولة يومئذ وهو الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام؟ الجواب: لا فائدة استراتيجية على المدى البعيد. إنه - صلى الله عليه وسلم – في مشروع التغيير والإصلاح، لم يغضب لنفسه مطلقاً، ولكن كان يغضب لله. من هنا، لم ينصت ولم يسمح لولد عبدالله بن سلول أن يقتل أباه، بل قال له: لا ولكن بر أباك، وأحسن صحبته ! هكذا بكل بساطة ووضوح رؤية. وبالمثل نجده - صلى الله عليه وسلم - يرد طلب الفاروق عمر حين سأل أن يقتل ذاك الذي اتهم رسول الله في أمانته يوم توزيع الغنائم بعد معركة حنين. فقال له: دَعْه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.. أسهل ما يمكن أن يتخذه أي صاحب قرار اليوم مع مخالفيه أو منتقديه، هو قهرهم بأي وسيلة أو أداة ممكنة. إنّ فعل الغطرسة والتجبر والتكبر وظلم الناس، منهج خاطئ عند من يريد التغيير والإصلاح، ومن يسير على هذا المنهج، إنما يرسم لنفسه نهاية بائسة ذليلة، وهي واقعة لا محالة في العاجلة قبل الآخرة. وشواهد من التاريخ أكثر من أن نحصيها هاهنا. نعم طال عمرك تبقى بعد معالجة فئة المعارضة، فئة أخرى لا تقل خطورة على المسؤول الجديد، هي فئة (نعم طال عمرك) إن صح وجاز لنا التعبير، التي اعتادت أن تتكيف مع كل متغير جديد أو مسؤول جديد، والذين بحكم خبرتهم، صارت مهاراتهم دقيقة في التبديل وتغيير الجلود، أو الإعدادات – بلغة التكنولوجيا – كي تتوافق مع إعدادات القادم الجديد. تبحث عن رغباته، وأمزجته، وأهوائه، فتكيّف نفسها على الوضع المستجد، من أجل أن تستمر رحلة المنافع والمزايا مع التغيير الحاصل أو المرتقب ! فئة ضارة مضرة على أي مسؤول أو المؤسسة التي يديرها. وإن أول عمل لابد أن يقوم به أي قادم جديد، رئيساً كان أم وزيراً أم مديراً، هو التخلص من أعضاء تلك الفئة، والحرص على عدم نشوء أو ظهور تلك الفئة تارة أخرى. خلاصة الأمر، أن تولي المناصب الكبيرة، تكليف لا تشريف، وسيكون خزياً وندامة يوم القيامة إن أضاع صاحب المنصب الأمانة، وصار ينظر إلى منصبه كمغنم لا مغرم، أو فرصة للشهرة والأضواء والمكاسب. إنه إن فعل ذلك، فهو حينئذ يستحق الوصف القرآني (الظلوم الجهول).. (إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسانُ، إنّه كان ظلوماً جهولا).