18 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام والتحديات الأمنية

21 أكتوبر 2017

تعتبر القضايا الأمنية من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين لاعتبارات عدة من أهمها ظاهرة العولمة والإعلام الجديد والمجتمع الرقمي والتطورات والتحولات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم. ناهيك عن ما أفرزته ثورات الربيع العربي من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة. فالعولمة بمختلف مظاهرها وتجلياتها مست السياسة والإعلام والثقافة والاقتصاد والاجتماع والدين والهوية والعادات والتقاليد مما أدى إلى دمج وصهر دول العالم في بوتقة واحدة تشكل سوقا واحدة وأنماط استهلاكية متشابهة وقيم معولمة وثقافة واحدة وهوية موحدة ما يعني انهيار وأفول الثقافات المحلية والهويات الوطنية واللغات وغيرها من مقومات الشعوب والأمم على مختلف أعراقها وثقافاتها ودياناتها وقيمها وعاداتها..الخ. فالبث الفضائي المباشر والإنترنت جعل من العالم قرية واحدة تعكس سيطرة وهيمنة من يصنع التكنولوجيا ومن يتحكم في محتوياتها. فالشبكات الاجتماعية على سبيل المثال غيرت خريطة العلاقات الإنسانية داخل العائلة الواحدة فما بالك القرية والعشيرة والمجتمع المحلي والمدينة والبلد ككل. كل هذا يؤدي أو يفرز بيئة جديدة للقضايا الأمنية تتعقد فيها الأمور وتختلط وتصعب مما يعقد الأمور ويزيد من التحديات أمام الجهات المعنية بالقضايا الأمنية خاصة والمجتمع ومكوناته المختلفة بصفة عامة. هذه التحولات محليا وإقليميا ودوليا تتطلب جهود كبيرة وآليات منهجية منتظمة لمواجهة التحديات العديدة في مجال القضايا الأمنية. ما يعني ضرورة التركيز على التوعية وعلى الآليات العلمية والمتطورة لتحقيق هذه التوعية ولجعل الفرد في المجتمع مسؤول وواع بواجباته إزاء القضايا الأمنية المختلفة سواء تعلق الأمر بالإرهاب أو الجريمة المصدرة أو المخدرات أو إدمان الإنترنت أو الجرائم الإلكترونية أو شغب الملاعب أو حوادث المرور أو السرقة أو التزوير والقتل أو التلوث البيئي وغيرها من الجرائم المختلفة التي تنتشر في المجتمع يوما بعد يوم. تعتبر التوعية الإعلامية من أهم أولويات الأجهزة الأمنية في الدولة كما أنها لا تقل أهمية بالنسبة للقطاعات المختلفة في المجتمع نظرا لأن موضوع الأمن يهم كل أفراد ومؤسسات المجتمع ولتوفير الأمن يجب كذلك مشاركة الجميع. فالأمن يعتبر العنصر الحيوي في حياة الشعوب وبدونه لا استقرار ولا تنمية شامله ولا ازدهار. فالفرد في المجتمع بحاجة إلى أمن حتى يعيش حياة كريمة وحتى يؤدي واجباته في المجتمع. إن الجهل بالقضايا الأمنية والقوانين والتشريعات المتعلقة بها يؤدي إلى انتشار الجرائم وغياب مختلف مكونات المجتمع عن التعاون والمساعدة في توفير الأمن وحمايته بحيث أن الأمن هو قضية الجميع وليس أجهزة الأمن فقط ومن هنا تأتي أهمية البرامج التوعوية والتعليمية من أجل نشر ثقافة أمنية في المجتمع تساعد الفرد ومكونات المجتمع والأجهزة الأمنية والدولة في مواجهة القضايا الأمنية بمهنية وحرفية وتبصر وفي توفير الأمن للجميع. يعتبر الأمن من الحاجات الأساسية للإنسان ويأتي في المرتبة الثانية في هرم ماسلو بعد التنفس والطعام والماء والنوم. فالإنسان من دون أمن لا يستطيع أن ينتج ويبدع ويعيش عيشة طبيعية. فهاجس الأمن يُبقي الإنسان باستمرار في حالة من الخوف والارتباك وعدم الاطمئنان وعدم الثقة في نفسه وفي محيطه. وعندما نتكلم عن الأمن فهناك أنواع وأشكال كالأمن القومي والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الفكري والأمن الإعلامي والأمن الثقافي والأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن البيئي والأمن الوظيفي والأمن المالي...الخ. ولتحقيق الأمن في مختلف هذه المجالات الأمر ليس بسيطا وسهلا على الإطلاق. فإذا أخذنا الأمن الإعلامي على سبيل المثال نجد الإعلام العربي يعاني من مشكلات عديدة كالتبعية والتقليد والصور النمطية والتضليل والتشويه...الخ. ونجد أن صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الفاعلة في النظام الإعلامي الدولي –صاحبة الإمبراطوريات الإعلامية الكبيرة- صورة مشوهة ومقترنة بالعنف والإرهاب والتخلف والغطرسة...الخ. والأخطر من كل ما تقدم أن القيم الخبرية في وسائل الإعلام العربية أصبحت مستوردة ولا تعكس واقع المجتمع العربي. كما نلاحظ أن الكثير مما يبث في الفضائيات العربية هو مادة تهدد القيم والعادات والتقاليد والدين الحنيف والنسيج القيمي والأخلاقي في المجتمع. هذا مثال بسيط يتعلق بالأمن الإعلامي وقد يكون الأمر أكثر تعقيدا عندما نتكلم عن مجالات أخرى كالأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن القومي. ومن هنا يجب التأكيد على أن القضايا الأمنية في المجتمع هي مسؤولية المجتمع برمته ابتداءً من الفرد إلى الأسرة إلى الحي إلى المدرسة فالثانوية فالجامعة فالنادي والمجتمع المدني بمكوناته المختلفة وكذلك المؤسسات وأجهزة الدولة والأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية (أنظر نموذج2). والأمن هو مفتاح النجاح ومفتاح التنمية المستدامة وكلما أختل أو أهتز كلما كانت الانعكاسات وخيمة على مختلف المجالات. فانعدام الأمن الإعلامي على سبيل المثال هو التبعية والتقليد والانجراف وتفشي وانتشار قيم وعادات لا تمت بصلة لقيم وعادات المجتمع. من أهم الطرق والوسائل لتحقيق التوعية حول القضايا الأمنية حملات العلاقات العامة والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي. والعبرة هنا ليس في الوسيلة بقدر ما هي في التخطيط المنهجي والدقيق والعلمي للعملية برمتها. فالبحث العلمي والتخطيط الإستراتيجي هما أساس نجاح الوصول إلى الجمهور وتحقيق التوعية بالقضايا الأمنية. والمقصود هنا بالبحث العلمي والتخطيط هو عدم التسرع والتركيز على الإلمام بالقضية من مختلف جوانبها وكذلك دراسة الجمهور دراسة متأنية ومحاولة الوصول إليه برسالة يفهمها ويستوعبها وبوسيلة يتعامل معها باستمرار وبوفاء. فالرسالة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الإطار المرجعي للجمهور. من جهة أخرى يجب المتابعة والإدارة الجيدة لعملية التوعية والتركيز على التنفيذ المحكم والدقيق. كما لا يجب أن ننسى عملية التقييم للتأكد من نقاط القوة والنجاح ونقاط الضعف والفشل. ومن أهم عوامل النجاح كذلك إشراك المجتمع المدني ومختلف القوى الفاعلة في المجتمع في الحملات الإعلامية بهدف التوعية الأمنية. فالقضايا الأمنية تهم المجتمع بأسره أفرادا وعائلات ومؤسسات ومن ثم فإن انخراط الأسرة والمدرسة والمسجد والثانوية والجامعة ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أنواعها أمر لا جدال فيه. على المؤسسات الإعلامية أن تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية كما ينبغي ويجب أن تولي اهتماما كبيرا بالقضايا الأمنية وبالوعي الأمني وأن تتعامل معها بحرفية ومهنية وليس بمنطق السبق الصحفي والإثارة وغير ذلك من التفكير التجاري للممارسة الإعلامية. فالأمن أيا كان نوعه ليس للإثارة والتشويق بل هو أهم بذلك بكثير. وهنا يتوجب على وسائل الإعلام وعلى الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني التنسيق والتعاون للتعامل مع القضايا الأمنية بحرفية ومهنية ومسؤولية. كما يجب الإشارة هنا إلى ضرورة الاستثمار في الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي نظرا للإمكانات الكبيرة والقدرات الهائلة التي تتميز بها لتحقيق التواصل والحوار والنقاش من أجل توعية أمنية ناجحة تخدم المجتمع برمته.