11 سبتمبر 2025
تسجيلالسباق المحموم بين صعود الدولار وارتفاع الأسعار حالة مصرية غير مسبوقة تتوج الدولار ملكا على قائمة أسعار الصرف على حساب الجنيه الذي بلغ أكبر انهيار له هذه الأيام على مرأى ومسمع من الحكومة ومن القطاع الخاص ورجال الأعمال الذين يستسلمون ويكتفون برفع القبعة للدولار وقراءة الفاتحة على روح الجنيه، وهو يترنح قبل أن تحدث الكارثة الكبرى وتعلن الحكومة تعويمه أمام سلة العملات الرئيسة، خاصة مع استجابة السلطات لدعوة صندوق النقد الدولي بتحقيق المرونة لسعر الصرف في مصر والذي حذرنا منه في المقال السابق في جريدة "الشرق " تحت عنوان " صندوق النقد يطالب مصر بمرونة سعر الصرف" وقلنا: إن استمرار تنفيذ طلبات صندوق النقد الدولي قد يجر الاقتصاد إلى منحى خطير خاصة ما يتعلق بتحقيق مرونة في سعر صرف الجنيه الذي بلغ أدنى مستواته على الإطلاق بعد أن سجل أكثر من 8 جنيات وعشرين قرشا للدولار الواحد، لأن هذه الدعوة تعني فتح الباب أمام انخفاضات أخرى غير مقننة، تمثل المزيد من الانهيار والنزيف لقوة الاقتصاد، خاصة مع تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى 16.3 مليار دولار نهاية سبتمبر الماضي مقابل 18.1 مليار دولار نهاية أغسطس الماضي "، وهذا الذي حدث وسوف يدفع ثمنه الكثير، ومن الصعوبة تحديد أكبر الخاسرين من ذلك، فهل المواطن الذي سيكوى بلهيب الأسعار وهو أول مَن سيدفع الثمن، البورصة لأن زيادة سعر صرف الدولار أمام الجنيه ستؤثر على التداولات في البورصة، التي ستكون أسرع مَن سيدفع ثمن تراجع قيمة الجنيه، إلى جانب تقليص دخول الأجانب في الوقت الحالى لشراء أدوات جديدة، انتظارا لإجراءات البنك المركزى المتوقعة عن تخفيضات جديدة، وإذا كان البعض يرى في المقابل،أن هذا التراجع يؤثر بشكل إيجابي على الاستثمار، وانخفاض قيمة العملة والفائدة يساعد على تحفيز الاستثمار، وجلب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في مصر، وسيؤثر على التعاملات بالبورصة المصرية، لأنه سيُحدث ارتفاعات طفيفة في الأسهم، لإعادة التوازن بين قيمة الجنيه وقيمة السهم، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، ولم يتم زيادة الاستثمارات الأجنبية أو العربية، ولم يعلن عن ذلك ولم تظهر أي أرقام رسمية توضح حجم هذه الاستثمارات حتى يستفيد الاقتصاد من هذه التخفيضات، وينطبق ذلك على القطاع السياحي حيث إن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار يمنح المنتج السياحي المصري ميزة تنافسية، نظراً لرخص سعره في مقابل المنتجات السياحية المنافسة، مع ذلك لم تتأثر حركة السياحة إيجابيا، بل إن تراجع السعر انعكس سلبيا على مؤسسي المشروعات السياحية والفندقية بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، الأمر الذي سيرفع الأسعار تلقائيا خاصة للسلع المستوردة والمواد الخام والأدوية، بعد توقف أغلب الشركات الأجنبية الموردة للأدوية المستوردة عن التوريد للسوق المصرية بعد ارتفاع مديونياتها إلى ٣٠٠ مليون دولار، لصعوبة تدبير العملة وتحويل الأموال، خاصة أن المستثمرين الأجانب واجهوا صعوبات منذ بداية العام الحالي في تحويل أموالهم للخارج، بسبب الآلية التي أقرها البنك المركزي في تحويل الأموال في إطار سياسته للحفاظ على مخزون النقد الأجنبى، كما أن ارتفاع سعر الدولار المتواصل أدى إلى زيادات في تكلفة الإنتاج جعلت المنتج المصرى غير منافس عالميا، خاصة أنها تجر وراءها زيادات في ضريبة المبيعات والجمارك وأيضا في أجور العمالة، التي تطالب بزيادة رواتبها لمواجهة زيادات الأسعار في السوق، والأخطر من ذلك أن شركات أجنبية كبرى تدرس الانسحاب من السوق، بسبب تفاقم أزمة الدولار، وتضارب أسعار صرفه مقابل الجنيه في السوق الرسمية والموازية، وأن بعض المصانع بدأت تصفية أعمالها، نتيجة لحالة الكساد التى شهدتها السوق، بسبب زيادة الأسعار، ما أدى لتراجع عمليات الشراء بما يزيد على ٥٠%، إلى جانب تراجع الصادرات بنسبة ٢٢%، ولكن حتى لا نفقد الأمل لابد من الاستفادة من الزيادة الجديدة في سعر صرف الدولار في تحسين موقف الصناعات المصرية، حتى ترفع تنافسيتها في السوق المحلية في مواجهة المستورد، وبما يؤدى إلى زيادة الصادرات، وذلك باتخاذ المزيد من الإجراءات والسياسات المالية والنقدية التي تعمل على سرعة توفير كميات الدولار المطلوبة لتلبية احتياجات القطاعات الصناعية المختلفة، وحتى يمكن تحجيم ارتفاع أسعار السلع.