08 أكتوبر 2025

تسجيل

مواجهة الإسلاموفوبيا.. نموذج بريطاني ناجح

21 أكتوبر 2013

"الكراهية لا تواجه بمزيد من الكراهية"، هذا ما يقوله محمد أنصار الناشط الإسلامي الآسيوي في بريطانيا والذي لمع اسمه في السنوات الأخيرة كأحد أهم الأصوات المسلمة المعتدلة. وأكثرها تأثيرا في تصويب الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في المملكة المتحدة والغرب. أنصار هو المعادل الموضوعي لكثير من الأسماء المسلمة المتطرفة التي استغلت حرية التعبير في الغرب ولم تعمل سوى على جلب مزيد من الكراهية والحقد على المسلمين ودينهم. وفي بريطانيا على وجه التحديد هناك قائمة طويلة تبدأ ولا تنتهي بتلك الأسماء. من أبو حمزة المصري إلى أبو قتادة الأردني إلى محمد بكري اللبناني وليس انتهاء بأنجم شودري الباكستاني. مُضافا إلى هؤلاء جميعا "نضالات" حزب التحرير الإسلامي في سبيل إقامة خلافة إسلامية في لندن. وضد "الديمقراطية" البريطانية التي يعتبرها كفرا. وهي الديمقراطية التي تسمح له بالعمل السياسي والتعبير عن آرائه! تزداد المفارقة والإثارة في قصة محمد أنصار عند مقارنة تأثير خطابه بتأثير خطابات الكراهية التي بثها أولئك بغباء وحماقة. في أبريل من العام الماضي ظهر محمد أنصار في برنامج حواري على شاشة الـ"بي بي سي" في مواجهة مع تومي روبنسون زعيم رابطة الدفاع الإنجليزية. وهي جماعة عنصرية على أقصى اليمين وتعبر عن آراء فاشية ومتطرفة ضد المسلمين والمهاجرين وكل ما هو غير إنجليزي. وتظهر بعض الاستطلاعات أن نسب التأييد لمواقفها في تزايد مستمر وسط الرأي العام البريطاني (في تناغم مع نسب تأييد متماثلة في بلدان أوروبية أخرى للأحزاب اليمينية. مثل "الجبهة القومية" في فرنسا. و"من أجل الحرية" في هولندا. و"الفجر الذهبي" في اليونان). وتصاعد شعبية هذه الأحزاب ذات المواقف التي كانت على أقصى الهامش لها أسباب عديدة منها ما هو داخلي متعلق بالأزمات الاقتصادية وانتهازية السياسيين وشعبيتهم. ومنها ما هو خارجي وله علاقة بالتطرف والإرهاب المعولم الذي ينفذ باسم الإسلام. بكلمة أخرى يمكن اعتبار أسامة بن لادن وبقية عصابته أعضاء مؤسسين ليس للقاعدة فحسب بل ولكل الأحزاب الفاشية المتطرفة في الغرب وغيره والتي تعادي الإسلام والمسلمين. في ذلك البرنامج الحواري الشهير بين محمد أنصار وتومي روبنسون لم يُستدرج أنصار لخطاب الكراهية. ولم يفقد أعصابه وينزع نحو الغضب والشتائم وبالتالي فقدان تأييد المشاهدين. تمكن بمنطقه وخطابه العقلاني والهادئ من بداية زعزعة قناعات روبنسون التي يعتبرها مسلمات يقوم عليها عداؤه الشديد للمسلمين ومطالباته بتخليص بريطانيا منهم. بل وأكثر من ذلك انتهى الحوار بدعوة عشاء قدمها أنصار لروبنسون كي يواصلا الحوار. والمثير في القصة أن روبنسون قبلها حيث التقى الاثنان تحت عيون الكاميرات وبعيدا عنها مرات عديدة. في هذه اللقاءات تعرف روبنسون على مسلمين آخرين وإسلام آخر. وكتب على تويتر يقول لأنصار: "لو كان كل المسلمين مثلك لما كان هناك أي مشكلة". لم تنته القصة هنا. بل كانت نهايتها المفاجئة في تخلي روبنسون تماما عن رابطة الدفاع الإنجليزية وتعديل آرائه. وسوف تبث الـ"بي بي سي" برنامجا وثائقيا عن القصة كلها يوم الإثنين القادم 28 أكتوبر بعنوان "عندما التقى تومي مع مو". محمد أنصار متحدث لبق ومنطقي ومطلع على الأصول الشرعية وينظر للآخرين نظرة هداية واستيعاب وليس نظرة عداء وكراهية. وهو مكروه كما هو متوقع من عتاة السلفيين والمتطرفين الذي يهاجمونه بسبب اعتداله و"مهادنته للكفار". خلفيته الحقوقية وارتكازه على الحقوق المدنية والتعددية الثقافية والحرية وتمتعه بمنطق تصالحي تعددي يُضعف منطق خصومه. سواء من الفاشيين الغربيين أو الفاشيين المسلمين. مقابل محمد أنصار هناك أنجم شودري زعيم ما كان يُسمى "مسلمون ضد الصليبيين" قبل أن يحظرها القانون بسبب أعمال الحرق وممارسات أخرى ضد مخالفيها الرأي. وكان أنصار وشودري قد ظهرا في برنامج حواري منذ أكثر من سنتين ولم يستطع شودري الرد على آراء أنصار الاستيعابية المعتدلة. وكان ينحرف بسرعة إلى خطابات الاتهام والغضب والتشويه. من دون الاعتماد على المنطق. أهمية نموذج محمد أنصار. رغم قلة صوته وسط بحر الصراخ المتطرف والخطابات التهديدية التي تصدر كل يوم من أبوات التطرف الإسلامي. أنه يقدم الفعل والفاعلية والنشاط في مواجهة خطابات وممارسات التطرف والإرهاب. ولا يتوقف عند الإدانات اللفظية الخجولة. فالصورة التي يجب الإقرار بها ومواجهتها عن الإسلام والمسلمين في الغرب سيئة وتربط الدين ومنتسبيه بالإرهاب بشكل آلي. وتساهم في تزايد وتائر الإسلاموفوبيا. وتعامل المسلمين والعرب مع هذه الحقيقة يأخذ المنحى السهل والهروبي عن طريق اتهام الإعلام الغربي والأحزاب والجماعات المتطرفة بتشويه تلك الصورة. وتبرئه الذات بشكل مباشر أم غير مباشر. واتهام الآخرين وإلقاء المسؤولية على الغير يُعفي من القيام بأي عمل إيجابي وفاعل. ويبرر الكسل والقعود. بيد أن التعامل الفاعل والمبادراتي لمواجهة الإسلاموفوبيا يتخطى التشاكي والتباكي المستمرين. والانخراط في جهد حقيقي يبدأ بمواجهة "العدو الداخلي". وهو الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية. وتفنيد كل إدعاءاته بتمثيل الإسلام والمسلمين. وإعلاء الصوت بمعارضته. فالمشكلة هنا تكمن في أن صوت الإرهاب ورغم أنه يمثل أقلية، الأقلية الأعلى والأكثر تأثيرا بسبب الضحايا التي يُسقطها والدم الذي يسيله. في المقابل فإن صوت العقل والمنطق والاعتدال ورغم أنه يمثل الغالبية الكاسحة أقل وصولا وتأثيرا لأنه يعتمد على الحوار وليس الدم والقتل. لأجل هذا يتوجب على الغالبية أن تعلي من صوتها أكثر. وتستعيد تمثيلها لذاتها ودينها وترفض أن يظل ذلك محصورا بإدعاءات الأصوات المتطرفة. قبل فترة وجيزة انتشرت صورة على الإنترنت لمجموعة من النساء المنتقبات في بريطانيا يحملن لافتات تندد بقرارات بعض المؤسسات التي تحظر النقاب. لكن تلك اللافتات حملت شعارات أخرى مثل "لا للحرية". "الإسلام سوف يحكم بريطانيا". وغير ذلك مما يثير الحنق ويستفز الرأي العام ضدهن ولا يثير أي تعاطف. ربما تكون الصورة كلها مفبركة وتشويهية. لكن تلك الشعارات وقريبا منها كثير رفع في التجمعات والاحتجاجات التي كانت تقوم بها الجماعات المتطرفة في لندن. وأمام مقر الحكومة. وفي غيرها من المدن. تلك التجمعات و"المظاهرات" لا تجذب إلا عدد محدود لا يتجاوز العشرات في كل مرة. لكن في المقابل لا نرى مظاهرات تقوم بها الغالبية المسلمة ترفع شعارات تؤيد الحرية. وتندد بالمتطرفين. وترفض أن يتحدثوا باسمها وباسم الدين. والإعلام بطبيعته التي تركض وراء الإثارة وما يحدث في الشارع يغطي "الحدث" الذي تقوم به التجمعات المتطرفة ويصور شعاراتها المُستفزة. ولن يغطي "الأحداث" الذي تقوم به الأغلبية الصامتة عبر القعود في بيوتها.