12 سبتمبر 2025
تسجيلتعكس الثقافة الشعبية هوية وتاريخ الشعوب وتوثق مدى تحضرها وتعكس مرآة فكرها على مدى الأيام والعصور فهي ذاكرة وطن وهوية الأجيال جيلا بعد جيل وقد تعددت الاجتهادات لدينا من أجل الحفاظ على هذا التراث الجميل والغني بالأسرار والكنوز النادرة ذلك من خلال تعدد الأنشطة والفعاليات والندوات والورش المتعددة ولكن باعتقادي أن ذلك لا يكفي، فعلى عاتق الإعلام تقع مسؤولية ضخمة في الحفاظ على هذه الهوية الشعبية وعلى هذا الموروث الرائع، لا تكفي البرامج والحلقات والمسلسلات الشعبية، لا تكفي اللقاءات مع الباحثين في التراث والمتخصصين، إنما نحتاج لقنوات متخصصة تقدم هذه الثقافة عبر مخطط برامجي ضخم ودسم يكفي لزرع هذه الثقافة في أذهان أبناء الجيل الحالي الذين انفتحوا على كل الثقافات والتيارات الثقافية بمختلف ألوانها وأشكالها، وأعتقد أن المكتبة القطرية زاخرة بالمجلدات والدراسات العديدة التي تغطي مواد هذا المخطط بمختلف برامجه ولعل تجربة الإذاعة الشعبية كانت من أجمل التجارب الناجحة، فمن هذه الإذاعة انطلقت أصوات إعلامية محلية عديدة إلى جانب أنها كانت ملاذا لكل من يبحث عن البساطة ويحن إلى الزمن الجميل، فقد كانت تغذي عقولنا بهذه الثقافة من خلال برامجها وفقراتها المختلفة، فتقدم لنا الهوية الشعبية عبر برنامج أو لقاء أو مسلسل أو منوعات غنائية أو أصوات شعبية أو قصائد لشعراء الوطن، هذه الإذاعة المتخصصة لها في ذاكرتنا إشراقات جميلة لا تنتهي، فمنها كنا ننهل من كنوز الثقافة الشعبية وعبر أثيرها كانت تأتينا نغمة الوطن الأصيلة التي كانت بكل سهولة تستقر في قلوبنا وأذهاننا لأنها كانت تأتينا بسيطة وعذبة كالماء الزلال..لا أريد الخوض في الحديث عن إعلامنا المرئي لأن هناك لجنة للتطوير قد تتولى أمر هذا الموضوع ضمن خطتها الجديدة إنما أتحدث عن إعلامنا المسموع كوني بنت الإذاعة، فإذاعتنا الحبيبة لها دور رائد وملموس في الحفاظ على الموروث الشعبي من خلال إلقاء الضوء على هذه الثقافة عبر برامجها المتنوعة ولكن يظل للاختصاص شكل آخر ونكهة أخرى فإذاعة شعبية متخصصة تملك مجالا أكبر ومساحة أشمل بكثير لأنها لن تكون مقيدة ببرامج منوعة ولا برامج متخصصة ولا نشرات إخبارية، لذا أتمنى كما يتمنى الكثيرون من متذوقي الثقافة الشعبية وعشاق الموروث أن تعود هذه الإذاعة من جديد، كم اشتقت إلى أجوائها وألحانها.. كم اشتقت لصوت الموج القادم عبر الأثير من خلال برنامج ((في أحضان البحر))، كم اشتقت إلى البرنامج المباشر (مساكم الله بالخير) الذي كان يأتينا بأصوات عديدة، كم اشتقت إلى المواويل البحرية وصوت النهام كل مساء وكم اشتقت إلى النشرة الإخبارية المحلية التي كانت تعد خصيصا للإذاعة الشعبية، اشتقت للأصوات الشعبية وأغاني الفرق الشعبية والأصوات التي لا تغيب عن ذاكرة الغناء الخليجي.. كم وكم وكم مجرد إحساس دفين صحي مع نسمة من نسمات الحنين إلى الماضي الجميل، نحن مازلنا نتمسك بالاستماع لإذاعتنا الحبيبة وننتظر بشوق مخططها في كل دورة ما يغطي الثقافة الشعبية من برامج ولقاءات وأغنيات ومازلنا أيضاً ننتظر عودة الإذاعة الشعبية، لأنها متنفسنا وبوابتنا الوحيدة التي نستطيع العبور من خلالها إلى الزمن الجميل.