17 سبتمبر 2025
تسجيلفي صباح يوم أمس السبت كنت ضيفا في ملتقى همم التربوي، والذي أقيم في دولة قطر جنبا إلى جنب مع نخبة من العلماء والمفكرين، وكبار المدربين. وطلب مني محورا أتناوله في حفل افتتاح هذا الملتقى العلمي والتربوي. فاخترت الحديث عن " منهجيات التدريب التكويني المرتكز على القيم وتطبيقاته من خلال رؤية قطر الوطنية2030". وكلما أتعمق قراءة في رؤية قطر الوطنية 2030، أجد نفسي أعيش معها وبها ذلك الحلم المنشود الذي تبنى قيادة دفته صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، وتحويله إلى واقع من خلال هذه الرؤية الثاقبة التي تحمل كل الخير لشعب قطر الرائع، والمقيمين على أرضها الطيبة. إن المتتبع لتاريخ المؤسسات الناجحة عبر أنحاء العالم، ونموها وكبر حجمها وفتح فروع لها هنا وهناك، وجودة منتجاتها، يجد أن من ورائها فرق عمل جمعوا بين الكفاءة وحسن القيادة، والتزامهم بقيم مهنية، إلى أن وصلوا بمؤسساتهم إلى الشهرة والنجاح، بالرغم مما يعرفه المحيط من تقلبات مستمرة ومفاجآت وما يفرضه من قيود وأخطار وتهديدات. إضافة لما سبق فإن للعنصر البشري دورا حاسما في قيام المؤسسة وبقائها ونموها وفي الإسهام في تنمية مواردها ونموها، كما أنه محدد أساس لموقع المؤسسة ومكانتها في محيطها الذي يتميز بالحركية وعدم الاستقرار، وهو الذي سيمكن المؤسسة من مواجهة التحديات المختلفة، الاقتصادية، الاجتماعية، التكنولوجية، المعرفية،... ومن أجل التحكم في التسيير والتكيف مع التحولات الحالية والاستجابة للتغيرات المستقبلية، فإن الاعتماد في التسيير على الكفاءات البشرية فحسب لا يكفي، بل يجب أن تكون هذه الكوادر قادرة على إتقان المهارات اللازمة، وأن يتم تزويدها بالمعارف الضرورية لأداء المهام المنوطة بها، وكذلك حثها على تبني قيم مؤسسية ومهنية ومبادئ أخلاقية. كما يتطلب كذلك، زيادة منهجيات التحفيز وترشيد السياسات المطبقة على الموارد البشرية لأنها من المتطلبات التي لا غنى للمؤسسة عنها إذا ما أرادت أن تقاوم وتنمو. وبناء على ما تقدم، ومع موجة التجديدات في الأفكار والتكنولوجيات وأنماط وتقنيات التسيير اتجهت المؤسسات إلى ضرورة اعتماد التدريب المستمر المرتكز على القيم، لضمان التكيف الدائم في الوقت المناسب. كما أن حركة المنافسة الحادة تحتم على المؤسسة أن ترقى إلى مستوى المنافسين في القطاع، ولا يتأتى لها ذلك إلا بإدماج التدريب التكويني المرتكز على القيم ضمن هيكلها وسياستها. إن المؤسسات تعيش اليوم في ظل اقتصاد بملامح جديدة هو اقتصاد مفتوح، اقتصاد مبادرة، اقتصاد معرفة، كما أنها تحيا في مناخ مركب ومتعدد الأبعاد يكون فيه الإبداع والابتكار عاملين أساسيين في تحديد مكانة المؤسسات، وبهذا يجد التدريب التكويني المرتكز على القيم مبررا له لما يمكن أن يحدثه من آثار إيجابية على مستوى الفرد والمؤسسة وحتى المجتمع، وهو كفيل بتفجير الطاقات الكامنة وتجسيد أبعاد تسيير الموارد البشرية. ولو وقفنا قليلا مع مفهوم القيم، وهي جمع قيمة، و"قيمة" مأخوذة من " ثمنه المقابل له كذا"، ثم استعمل بمعنى القدر والمنزلة، ومن هنا نشأ المعنى الفلسفي لهذه الكلمة، فهو " انتقال من دلالة مادية معروفة في علم الحساب وعلم الاقتصاد السياسي إلى دلالة معنوية تعبر عما في الأشياء من خير أو جمال. أو صواب ". (معجم العلوم الاجتماعية1975). وعليه يمكن تعريف التدريب التكويني المرتكز على القيم بأنه" تعريف وتأهيل وتدريب الكوادر العاملة في المنظمات على مجموعة من الأحكام والمعايير والقيم المهنية التي تنبثق عن مؤسسة أو منظمة ما، وتكون بمثابة موجهات للحكم على الأعمال والممارسات المعنوية والمادية، وتكون لها من القوة والتأثير على المؤسسة بما لها من صفة الضرورة والإلزام والعمومية، وأي خروج عليها أو انحراف عنها يصبح بمثابة الخروج عن أهداف المؤسسة أو المنظمة" ينظر الفيلسوف "شبرانجر" للقيم على أنها تقسم إلى ست مجموعات: القيم النظرية، والقيم الاقتصادية، والقيم الجمالية، والقيم الاجتماعية، والقيم السياسية، وأخيرا القيم الدينية. إن رؤية قطر حملت في مرتكزها المعني بالتنمية البشرية، هم المحافظة على القيم من خلال برامج التعليم والتدريب والتنمية البشرية.