11 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة أو وظيفة

21 سبتمبر 2022

كثيراً ما ننغمس بين المسؤوليات والمتطلبات الحياتية، فنخوض التجارب ونمارس المهام ونقوم بواجباتنا نحوها، من خلال تعاملنا مع افراد أسرتنا ومحيطنا المجتمعي وكذلك نحو وظائفنا وخططنا اليومية أياً كانت مستمرة أو متقطعة. فكل دور نؤديه لفرد أو جهة هو بمثابة كمية كبيرة من الجهد الجسدي والفكري بالإضافة لحمولة ضخمة من المشاعر نقدمها طواعية أو مجبرين لفترات متفاوتة ومتباينة، فتمتص قوانا الفكرية والجسدية وتحطم مشاعرنا عندما نخطئ في تقديرها أو نقدمها للاخرين كفرض كفاية أو مجاملات مجتمعية وننتظر المقابل. إن قاعدة كل جهد يجب ان يليه تقدير أو منفعة، وإلا فإنه لا جدوى من تقديم هذا الجهد وان كان بسيطاً، ليحل محله السخط والتنافر. مع مرور الزمن سنكتشف بأنها لم ولن تجلب لنا إلا التعاسة، في حين قيامنا بأمور أخرى دون انتظار أي مقابل من ورائها تشعرنا بالرضا عن ذواتنا كتربية أبنائنا وقيامنا بأعمال تطوعية. وبما ان الانسان يقضي في المتوسط قرابة ثماني سنوات من حياته في العمل. وهو جزء كبير من حياتنا لا بد أن نوليه اهتماماً كبيراً. لذا ينبغي أن نركز فيه للوصول لمستوى الرضا والسعادة، حتى لا ينتهي قطار العمر ونكتشف في النهاية أننا قضينا هذه السنوات من حياتنا بطريقة لم نشعر خلالها بإنسانيتنا. لذلك علماء النفس صنفوا العمل من حيث الممارسة إلى "وظيفة أو رسالة". فيكون العمل وظيفة عندما يكون الدافع الرئيسي من القيام به: هو الحصول على أجر مع نهاية كل شهر، يحقق من خلالها الاستقرار والامان المالي. فربما يكون الشخص غير راضٍ تماما عن العمل الذي يقوم به، ولا يجد فيه ما يحقق له رغباته؛ ولكن دافع الحاجة والرغبة للمال هي من تقف خلفه. ويكون العمل رسالة: عندما يكون هناك ارتباط وجداني وعاطفي مع المهام التي يقوم بها. فيشعر الشخص من خلالها بأنها جزء اساسي من حياته. فيحقق فيها قدرا عاليا من الاشباع والرضا الشخصي. كونها المرحلة التي تتوافق فيها التحديات مع نقاط القوة التي يمتلكها الشخص. ولا ينطبق ذلك على العمل الوظيفي فقط، بل إن كل ما نقوم به من جهد يُعد عملا انسانيا ويستحق منا سلوكيات وأفكارا ومشاعر، يمكننا تصنيفها كوظيفة أو رسالة لأن الاكتشافات الاخيرة تكاد تكون صادمة؛ حيث تذكر أن كل رسالة يمكن أن تكون وظيفة، وكل وظيفة من الممكن أن تكون رسالة. فالمدرس الذي يدرس من أجل الحصول على مرتب آخر الشهر فهو يؤدي وظيفة، بينما عامل النظافة الذي يعتقد أنه يساهم في خلق بيئة نظيفة وصحية ليعيش الناس بسعادة فهو يؤدي رسالة. وبما اننا جميعاً نبحث عن السعادة والراحة النفسية في اعمالنا، وليس البحث عن المال في مقابل التعاسة وعدم تحقيق الذات. يقوم علم النفس الإيجابي، على التركيز على كل ما يخلق الرضا والاشباع الشخصي، كالتركيز على دور المشاعر الإيجابية، وتوظيف نقاط القوة والفضائل في خلق حالة من الإشباع الدائم، والوصول لما يسمى بالتدفق حيث يصل الشخص فيها لحالة انسجام مع العمل أو الجهد الذي يقوم به، فلا يشعر خلالها بالوقت. وهذا يحدث لنا أحيانا عندما نقوم بمهمة معينة، ونستغرق فيها بتركيزنا، فنشعر بعد فترة بأن الوقت مر سريعا ونحن منغمسون بسعادة ورضا. إذا فجميعنا يمكننا فعل ذلك لكونه غير محصور على فئة معينة شديدة المهابة كالدعاة والأطباء والعلماء وغيرهم، فهو أمر غير خارق وكل ما علينا فعله هو ان نتدرب على النظر للمهام المنوطة بنا كرسالة نستمتع بها ونتقنها بشغف دون انتظار مقابل بل فقط لتحقيق ذواتنا وتنمية مهاراتنا الذاتية. إن الرسالة الصريحة التي اريد أن اوصلها في النهاية، أننا نستطيع أن نصل إلى الرضا الشخصي في أعمالنا؛ لو استطعنا أن نعمل في مجالات تتوافق مع نقاط القوة والقدرات والمواهب التي نمتلكها، او أن نُكيف اعمالنا الحالية بحيث تجعلنا نستغل نقاط تميزنا. اعرف أن هناك أشخاصا يمتلكون مئات الأسباب تمنعهم من الوصول للإشباع والتدفق في حياتهم، لكن ما أعرفه أيضا هو أن حياتنا وسعادتنا لا تقبل المساومة. فما أجمل ان نوجد معنا اسما وذا قيمة لما نقوم به، بحيث يتجاوز ذواتنا لخدمة مجتمعاتنا والبشرية بشكل عام.