18 سبتمبر 2025
تسجيلنعيش حالياً فترة شيقة، وجديدة من حيث التناظرات فيها والنسق الاجتماعي الذي يعتلي فيها الفرد للمنصات الاجتماعية ليكن صوتاً للشعب. وبالنسبة لي هي فترة سأعتبرها من أفضل الحقب التاريخية المتجددة والتي سأتمكن من خلالها الدمج ما بين الجانب النظري لمفاهيم المثقف، والجانب الواقعي لحقيقة هذا المثقف، على الأقل بحسب الظرف الزماني والمكاني الحالي. إذ نحن محملون جداً بالمفاهيم العامة والنظرية لعدة مصطلحات ومعانٍ تعكس أبعاد المثقف المثالي والذي نراه في صفحات الكتب، وحبيس التاريخ، وأثره حتى تباعاً لصراعاته السابقة من أجل البشرية والتحولات التي صاحبتها. إنما اليوم، تزامناً مع التعرف على البرامج الانتخابية للمرشحين لمجلس شورى، أعتقد سيكون الموضوع شيقاً لهذا الدمج، وقياس أبعاده على المرشح الحالي، بالإضافة إلى محاولة تحديد مكانة المثقف، والأهم مدى بقائه وصموده تجاه برامجه الانتخابية المقترحة والتي هي برامج من المفترض أن تعتبر إصلاحية دقيقة وليست بأشكالها العامة! وكي أتعمق أكثر في هذه المقاربات، سأشير إلى توقعات ثقافية قد تحدد مسار المرشحين للحقبة الأولى من المجلس. إذ أجد أننا سنكون في رحلة طويلة تحتاج إلى التأقلم وإلى الإمكانيات المتعددة حتى نصل لمرحلة الإصلاح والتطرق للقضايا التي تداولها عدة مرشحين، خاصة وأنه لم يتم حلها من قبل المجلس! كما أجد أننا في المرحلة الأولى التشغيلية للمجلس، التي تتطلب فيها إبراز القدرات البشرية من ناحية الإقناع والقدرة على الخطابة، الإلقاء والجرأة في طرح المواضيع التي يترقبها عامة الناس. إذ أن التعميم على كافة المجالات لا يفي بالغرض، فالدولة لا تزال قائمة في مسيرتها الإستراتيجية التنموية والتي تعتبر إصلاحية من حيث تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، بالتالي نظام الدولة لا يزال قائماً، فبروز عضلات المرشح على كافة المجالات والحديث برؤوس أقلام عن المواضيع العامة لحلها ليس ما يتطلع لسماعه الشعب والذي هو نتيجة نظام قائم وقادر أن يصلح مساره بنفسه، ناهيك عن مدى إلمام المرشح وتمسكه بقضية معينة في السابق، فلا بد وأن يكون التعرف على المرشح بناء على حملات و قضايا كان مهتماً بها، حاملها على عاتقه، بدلاً من سرد لسيرته الذاتية السابقة والشهادات العلمية التراكمية خلال مسيرته العلمية والعملية؛ إذ سأدرك مدى اهتمامه للإصلاح بحسب التزامه وتمسكه بقضية محددة في السابق حتى اليوم. وهذه المسيرة للمرحلة الأولى ستكون دروسا وعبرا للدفعات الأخرى للتهيئة والاستعداد المسبق، والتي من المفترض أن تتضمن حملات توعوية تعكس اهتمامه. أما بالنسبة للمرحلة الثانية، فهي ستكون انسحابات متفرقة من المجلس، قد يستيقنون ثقل وحجم العاتق لحمل القضايا والإلمام بها بكافة السبل والمصادر والوسائل. بالتالي، لن يبقى إلا الكفؤ والقادر على حمل الأمانة بما فيها من تبعات وجهد، فجغرافيا الكلام قد تكون قوة بالنسبة للمشرح في المرحلة الأولى، ولكن ستخذله في المرحلة الثانية والفعلية. ولنكن واقعيين أكثر، يجب أن لا نسقط اللوم على المرشح دائماً ونضع عليه آمالا كثيرة، لأنه يواجه عدة صعوبات حالياً وتنافسات متفاوتة، ناهيك عن مكانته الريعية في مجلس منتخب جديد، إذ يظل عليه عاتق ومهمة التجرد الرأسمالي والطبقي في حال رغب أن يلتفت للآخر ويطالب له بحقوقه أسوة معه! لذلك، يظل الشعب أيضاً حاملاً هذا الهم والمسؤولية في نفس المرحلة، لو ابتعد عن التصويت للوجاهة! أما المرحلة الثالثة والتي سيكون الوصول لها متأخراً، ستكون مرحلة نستخرج من خلالها المصلح، والمتمكن منطقياً وفكرياً، البليغ والحكيم، والجريء في طرحه وملفاته. في هذه المرحلة ستظهر صفات المثقف الذي لا يقدم نفس الدواء لنفس المرض، فهو من سيعبر عن أمراض المجتمع ويكتشف العلاج المعاصر والمناسب. هذه ليست مرحلة مثالية، إنما هي مرحلة تتطلب التصفيات والتعلم من الدروس السابقة، بل وينبغي أن يكون فيها تمكين مسبق للوصول إلى هذه المرحلة بكفاءات عدة وبشرائح اجتماعية أكبر، ولا يكون قياسها مناطقي فقط. ختاماً، على أن المثقف له الدور في تغيير مسارات المجتمع، إلا إنه معروف بأنه من الأوفياء للمبادئ، من الذين يحفظون الترابط واستحضار مواقفهم السياسية؛ لأنهم أصحاب قضية. وهذه المسيرة لن تكون في المرحلة الأولى، هذه المسيرة نتأملها لأجيال تكون صاحبة قضية وصاحبة مبدأ، تخصصية أكثر في ما يلامس المجتمع، وأكثر تحديداً في الطرح للمواضيع المطلوبة للتركيز عليها. إلى حين تلك المرحلة، نأمل بأجيال تتطلع لإصلاح مجلس شورى لعملية إشراكية أكبر وبرامج انتخابية أعمق. [email protected]