11 سبتمبر 2025

تسجيل

في ذكرى 11 سبتمبر: من السلطة الرابعة إلى التضليل الشامل (2)

21 سبتمبر 2018

تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام بأن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي الأساس في إنصاف الفقراء والمساكين والضعفاء، وهي الوسيلة الاستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ "كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والقضايا وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفّسره كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. قراءة تفاعل المؤسسات الإعلامية الأمريكية مع أحداث 11 سبتمبر تعطينا الاستنتاجات التالية: * معظم وسائل الإعلام الغربية ركزت على الإسلام والمسلمين والعرب واستغلت الحدث للتضليل والتشويه والتعتيم وتعزيز الصور النمطية ضد الإسلام والمسلمين والعرب، والتي أصبحت معروفة ومتداولة منذ زمن طويل. فتجاهلت وسائل الإعلام الأسباب الحقيقية وراحت تنظر لبعض الممارسات الخاطئة والمنحرفة عن تعاليم الدين الإسلامي وهذا ما أدى إلى التباس كبير جدا وحرّك الكراهية والضغينة والحقد عند فئات كبيرة من الرأي العام في الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أدى إلى وقوع حوادث وتصرفات عنصرية راح ضحيتها الكثير من المسلمين والعرب الأبرياء في الدول الغربية المختلفة. والتناقض الصارخ هنا هو أن الغالبية العظمى من القائمين بالاتصال في الغرب ومن المسؤولين في المؤسسات الإعلامية المختلفة لا يعرفون جيدا الإسلام ولم يحاولوا فهم هذا الدين، والتفرقة والتمييز بين تعاليمه وتطبيقه في أرض الواقع. ركزت وسائل الإعلام الغربية على نتائج 11 سبتمبر وتداعياتها على العلاقات السياسية الدولية وعلى الخريطة الاقتصادية العالمية وعلى الكثير من المفاهيم والمسلمات مثل الأمن القومي، والعولمة.. الخ وأهملت الأسباب التي أدت إلى ما حدث ولماذا الاعتداء على أمريكا دون سواها. الأسباب أصبحت ثانوية وغير مهمة ولا قيمة لها وأصبح التركيز فقط على الأصولية الإسلامية وعلى الإرهاب حيث حاول العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية ربط ما يجري في فلسطين بما حدث في 11 سبتمبر. وهنا نلاحظ أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي استفادت من أحداث 11 سبتمبر لتطبيق إرهابها المستمر على الشعب الفلسطيني متذرعة بمحاربة الإرهاب. واستطاع بذلك السفاح شارون أن ينفذ كل خططه الجهنمية للقضاء على كل بوادر التفاهم والحوار كأساس لإقامة دولة فلسطينية.  شارون وآلته الإعلامية الدعائية والمنتشرة في أكبر وأهم العواصم العالمية استغل الإعلام الغربي لتمرير كراهية العرب والمسلمين وتشويه الإسلام. * فسر الإعلام الغربي الأصولية الإسلامية بانتشار الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية متناسيا تماما أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو نظام جائر غير عادل يبتز ويستغل الشعوب المغلوب على أمرها وأن السياسة الخارجية الأمريكية ودور الشرطي الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في العالم هو أساس كراهية الكثير من شعوب العالم للولايات المتحدة الأمريكية.  * تجاهلت معظم وسائل الإعلام الغربية كراهية الآخرين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن الأمريكيين أنفسهم فوجئوا بنتائج الاستطلاعات التي قاموا بها في مختلف أرجاء العالم. والسبب بطبيعة الحال يرجع إلى السلوك التعسفي والجائر الذي تقوم به الولايات المتحدة في تعاملها مع دول العالم وخاصة سياستها الخارجية في الشرق الأوسط ودعمها اللامحدود لدولة إسرائيل.      * تجاهلت معظم وسائل الإعلام الغربية سيطرة اللوبي الصهيوني على الكونجرس الأمريكي وبذلك السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، كما تجاهلت الخضوع والخنوع الأمريكي التام للكيان الصهيوني الذي يمارس يوميا إرهاب الدولة. فأمريكا تكيل بمكيالين في تعاملها مع ظاهرة الإرهاب ومع مبدأ تحرير الأرض وتقرير المصير. * اعتمدت وسائل الإعلام الغربية في معظم تحاليلها ودراساتها وبرامجها على خبراء ومختصين ومراكز بحوث ودراسات تتميز بعدائها لكل ما هو عربي ومسلم وبولائها للكيان الصهيوني والاطروحات الغربية المتطرفة التي لا تؤمن بحوار الحضارات والتفاهم والتواصل بين الشعوب. ولذلك لم نر شخصيات مثل "رجاء جارودي" أو "نعوم تش ومسكي" أو "إدوارد سعيد" على شاشات أو صفحات المؤسسات الإعلامية الغربية الفاعلة، والسبب البسيط لذلك هو لأن أطروحات وآراء ووجهات نظر هؤلاء ستكشف "الفبركة" والتلاعب Manipulation والتزييف والتضليل التي تقوم بها الآلة الإعلامية الغربية في عرض الأحداث وفق قراءتها هي وليس وفق الواقع. * لم تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تقدم صورة عن العلاقات الدولية وعن النظام الدولي المفلس والمليء بالتناقضات وكذلك  لم تحاول أن تكشف عن السياسة الخارجية الأمريكية من مشروع مارشال إلى يومنا هذا. كما لم تحاول أن تبرز التناقضات التي أفرزتها السياسة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبذلك انهيار الثنائية القطبية وانفراد أمريكا بالزعامة الدولية. الآلة الإعلامية الغربية جاءت سطحية في تعاملها مع وقائع 11 سبتمبر وحتى ما كتبه بعض الصحفيين الأوروبيين وعلى رأسهم الصحفي الفرنسي تييري ميسان صاحب كتاب "الخديعة الكبرى" لم يؤخذ بالجدية اللازمة والكافية وإنما تم النظر إلى هذه الأطروحات بالسخرية والتهكم والازدراء. فتييري ميسان يرى "أن التفجيرات نظمت من داخل قيادة الجيش الأمريكي". وروجي جارودي يرى أن "أحداث سبتمبر مؤامرة تواطأت فيها المخابرات وأجهزة الدولة". * لم تحاول الآلة الإعلامية الغربية أن تتساءل عن عملية استغلال أحداث 11 سبتمبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة صياغة العالم، وأن الحرب ضد الإرهاب ما هي إلى حرب ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان التي أصبحت تعاني الكثير حتى في داخل حدود أمريكا. فها هي ماري روبنسون مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان تقول "إن الولايات المتحدة الأمريكية تتذرع منذ 11 سبتمبر بمكافحة الإرهاب للتعرض لحقوق الإنسان وبالتالي فنحن نشعر بالقلق على تآكل الحقوق المدنية في الدول التي تحارب الإرهاب"، وخير دليل على ذلك هو قانون الإرهاب المطبق داخل الولايات المتحدة الأمريكية والذي نسف نسفا خطيرا كل ما له صلة بحقوق الإنسان والحريات الفردية. ما يحدث في "جوانتانامو" والمعاملة الوحشية للسجناء هناك هو وجه آخر لانتهاك حقوق الإنسان.  تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب وأن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام بهدف التفاهم والتواصل والحب والوئام بين الأجناس والأعراق والشعوب وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والتفاهم والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس لإشعال نار الفتنة والحروب والجرائم والحقد والكراهية والعنصرية.