31 أكتوبر 2025
تسجيلكما كان متوقعًا ومنتظرًا من سموه.. خطاب حاسم حازم واضح صريح. هكذا كان خطاب سمو الأمير تميم أمام العالم أجمع في الملتقى السنوي لهيئة الأمم المتحدة. هذا الملتقى الذي يثير الانتباه بحسب الأحداث أولًا وبحسب بعض من سيحضر من الرؤساء ثانيًا. ولقد كان من نصيب الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة بالأمم المتحدة، الكثير من الاهتمام الدولي، وقد كان وجود سمو الأمير مع عدد قليل من الزعماء، من أسباب تلك الأهمية التي نالها هذا الملتقى. رغم أنه جاء إلى هيئة الأمم وبلده محاصر من دول جوار، لم تراع فينا إلًا ولا ذمة، وحاصروا البلد في شهر فضيل مبارك، وتسببوا في قطع الأرحام وفوضى في التواصل بين الأقارب، وما سببه ذلك من تبعات ونتائج أخرى للحصار.. أقول: رغم كل هذا، سافر سموه إلى هيئة الأمم ليبدأ حديثه عن الظلم الواقع على أناس آخرين من أمتنا، قبل أن يبدأ الحديث عن وطنه وشعبه ومن يقيم معهم، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم. خطابه أمام العالم تأكيد جديد وتعزيز لخطابه الأول، وإن صاحبته هذه المرة روح العزة والإباء، وأنه وشعبه في موقف ثابت وصامد، وأنهم ما زالوا ينتظرون التبرير المقنع المنطقي من الرباعي المتأزم، لمؤامرتهم الليلية غير المسبوقة في التاريخ الحديث للمنطقة، والإتيان بالأدلة التي أزعجوا الناس بها طوال أسابيع من بدء المؤامرة، التي يبدو أنها تلاشت وتبخرت مع سخونة صيف الخليج، منطلقًا من المبدأ القرآني في مثل هكذا أمور (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).. لكن لا أدلة ولا براهين حتى الساعة، مما يدل على أنهم شرذمة كاذبة، دفعهم الكذب للفجور وأي فجور. اللافت في الخطاب أنه شرح للعالم وبشكل موجز مبين كيف بدأت المؤامرة، والزج باسمه فيها عبر فعل شائن معيب دينيًا وأخلاقيًا، وهو ما اصطلحنا على تسميته بكذبة سكاي نيوز أبوظبي، التي لابد أن نوثقها للتاريخ، بل أقترح أن يدخل هذا الفعل، قاموس المصطلحات الشائنة، ثم قاموس الأمثال العربية، حتى إذا ما أراد أحدنا أن يستشهد بمثل عربي يتوافق مع حوادث الكذب المشينة، يقول: (أكذب من سكاي نيوز أبوظبي) وهكذا. بانت الأمور إذن ووضحت أمام الجميع، وفهم الناس أبعاد وخفايا المؤامرة الخليجية المدعومة من عسكر مصر، الذي كال زعيمهم أمام مرأى ومسمع العالم، مدحًا في الإسرائيليين، وهام حبًا في قيادة الدولة الإسرائيلية أمام العالم، في مشهد متناقض عجيب مع موقفه غير الأخلاقي ضمن فريق التآمر الخليجي، الذي لم يكن يجد بأسًا في اجتياح عسكري لدولة شقيقة، تُسفك الدماء خلاله بغير حق، وتُسرق أمواله وثرواته من بعد ذلك. كان سمو الأمير واضحًا في بيان السبب الرئيسي والأهم، الذي دفع بعض الخليجيين مع عسكر مصر للتآمر على قطر. إنه الرغبة في التركيع والإذلال، تمهيدًا للنهب والاستغلال، ظنًا منهم أن العالم يعيش في القرن الرابع الميلادي، قرن الجهالة والظلم والاستبداد، أو عصر الجاهلية التي سبقت الإسلام.. القوي يغير على الضعيف، والكثرة تنهب القلة. لا أعراف ولا قوانين ولا مبادئ. استاء سمو الأمير من الحملات الإعلامية التي لا تزال مستمرة.. تلك الحملات التي نسفت كل ما تبقى لدى المحاصرين من أخلاقيات وقيم، وأحرقت كل ما لديهم من أوراق، بعد أن ساد وتولى أمر التوجيه والإعلام والسياسة كذلك، نوع من مراهقي القصور ومعهم منتفعون منافقون، الذين آلت إليهم الصلاحيات سريعًا دون تمهيد وإعداد متدرج مسبق طويل، فصاروا أشبه بصبية وجدوا أنفسهم أمام بنادق محشوة بالرصاص الحي، تنتظر الاستخدام الفوري، ووجدوا أمامهم في الوقت ذاته أهدافًا كثيرة هنا وهناك تصلح للرمي والتلذذ بما ينتج عن ذاك الرمي غير الهادي أو الوجيه! وأحسبُ أن الحال الآن نتيجة تلك التصرفات الطائشة الصبيانية عبر وسائل الإعلام المتنوعة، لا يحتاج لكثير شروحات وتفصيلات، فإن كثيرين يعايشونه بأنفسهم لحظة بلحظة منذ بدء المؤامرة. عانت المنطقة كلها وليست قطر فحسب، من تلك التهورات في استخدام أدوات الإعلام في دول الحصار، مع ما صاحب الاستخدام من طيش وكذب وفجور عميق في الخصومة، وهي التي دعت سمو الأمير للتنويه عنها وتسميتها بالإعلام المجنّد والمأمور، وأنه كان منذ البداية: "على أهبة الاستعداد لبدء حملة تحريض شاملة مُعدّة سلفًا، انتُهكت فيها كافة القيم والأخلاق والأعراف، وانتهكت الحقيقة بوابل من الأكاذيب.. مضيفًا سموه بأنه ما زالت الأموالُ تُصرف بسخاء على آلة صنع الافتراءات ونشرها، على أمل أن تختلطَ على الناس الحقيقة بالكذب". لكن رغم كل ذلك السفه الذي بانت حقيقته للقاصي والداني، أبت أخلاقيات سموه إلا أن يقدم فرصة أخرى ربما أخيرة، لخروج الرباعي المتأزم من أزمته وورطته، وأعلن سمو الأمير عن استعداد قطر للحوار غير المشروط، القائم على الاحترام المتبادل للسيادة، يتم خلاله بحث كل المتعلقات والخلافات بالعقل والحكمة والمنطق، دون أن يعاند الرباعي المتأزم ويطالب بالحل الصفري الذي طرحه أبو فراس الحمداني، كما قال الدكتور النفيسي عنه: "لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر.. هذا ما يمشي في السياسة اليوم، لنبحث عن حل آخر غير حمداني".فهل من رجل رشيد في معسكر الرباعي غير حمداني؟ هذا ما أرجوه ويرجوه كل عاقل ومحب للخليج.