13 سبتمبر 2025
تسجيلالإعلان دور مهم في حياة الفرد والمؤسسة والمجتمع والوسيلة الإعلامية، ما جعله صناعة تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، وصناعة تتقدم باستمرار وتواكب التطورات التكنولوجية والعلمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال والمعلومات. هناك طفرة كمية ونوعية في صناعة الإعلان في المنطقة العربية، وخاصة في دول الخليج، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ما هو موقع العرب في الخريطة الإعلانية العالمية سواء من حيث الإنتاج أو الإخراج أو من حيث الإنفاق الإعلاني أو من حيث التكوين والتدريس والتدريب أو من حيث الدراسات والأبحاث أو من حيث الآداب والأخلاق والقيم؟. فإذا كان الإنفاق الإعلاني في العالم يقدر بـ600 مليار دولار سنويا فإن نصيب العرب لا يتجاوز 3 مليارات دولار أي 0.5 بالمائة. وإذا كان نصيب الفرد من الإعلان هو 300 دولار أمريكي في أستراليا و450 دولارا في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه لا يتعدى عشرات الدولارات للفرد الواحد في معظم الدول العربية. أما إذا تكلمنا عن إنتاج وصناعة الإعلان فالأمر يحتاج إلى وقفة متأنية نظرا لكون العالم العربي يستهلك الإعلان ولا ينتجه. فمعظم الإعلانات التي تنشر وتبث في وسائل الإعلام العربية سواء كانت صحفا أو مجلات أو محطات إذاعية أو تلفزيونية، فإنها إعلانات معلبة ومستوردة وما أضيف عليها هو الدبلجة وبعض اللمسات و"الرتوشات" البسيطة. وهنا نلاحظ مشاكل عديدة تتعلق بمضمون هذه الإعلانات المعلبة والتي تحمل قيما ومعاني دخيلة وغريبة، لا علاقة لها بالبيئة المحلية العربية الإسلامية. فوكالات الإعلان في الوطن العربي ما زالت قليلة جدا ومعظمها لا علاقة له بالمهنية والحرفية وصناعة الإعلان. فهذه الوكالات عبارة عن مكاتب سمسرة ووساطة بين المؤسسات الإعلامية والمعلنين. كما نجدها بعيدة كل البعد عن صناعة الإعلان وفنونه وطرق إنتاجه. أما عن العلاقة بين وكالات الإعلان ووسائل الإعلام فهناك العديد من الانتقادات تتمحور في الأساس حول انعدام الشفافية والحرفية واستعمال الكثير من النفوذ والعلاقات الشخصية واعتبارات أخرى تكون بعيدة عن أصول المهنة وأخلاقياتها. كما نلاحظ في بعض الدول العربية سيطرة الحكومة على الإنفاق الإعلاني وتوجيهه وتوزيعه حسب ولاء المؤسسة الإعلامية للسلطة. وبدلا من استعمال الإعلان للتنمية والتغيير والتطور يستعمل في هذه الحالة للضغط والرقابة. كما تلاحظ قلة عدد وكالات الإعلان وقلة المهنيين في المجال الإعلاني، وحتى معاهد وأقسام وكليات تدريس الإعلان وتكوين الكوادر المحترفة والمؤهلة لممارسته تبقى ضئيلة جدا ولا تكاد تذكر. وهنا تظهر الحاجة كبيرة جدا وماسة خاصة من قبل الجامعات العربية وكليات وأقسام الاتصال الجماهيري للاهتمام بالإعلان والتسويق والاتصال التسويقي المتكامل للاستجابة لمتطلبات السوق وإعطاء النكهة العربية المحلية للإعلان وثقافته وصناعته وترويجه وتسويقه. من جهة أخرى نلاحظ أن الرأي العام العربي ما زال يفهم الإعلان في حدود الاستهلاك وتقديم السلع وتقنيات الإغراء للشراء. وهذه الرؤية الأحادية تحمل الكثير من المغالطات والالتباسات، لأن الإعلان يُستعمل في مجالات عديدة لا تتعلق بالضرورة بالاستهلاك. فالإعلان وسيلة للتغيير والتطور والتنمية المستدامة وهو وسيلة كذلك لتغيير السلوك والتصرفات وليس كقوة محركة للاستهلاك فقط. فتمكن الاستفادة منه في مجال التوعية الصحية والثقافة البيئية وفي التوعية المرورية وفي مجالات عديدة مثل الزراعة والبيئة والصحة والتكافل الاجتماعي والأعمال الخيرية...إلخ. من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الإعلان في الوطن العربي عدم إقبال المعلنين الغربيين على الإعلان في المنطقة العربية بسبب غياب الإحصاءات والأرقام والدراسات الموثوقة الخاصة بتوزيع الجرائد والمجلات وعدد المشاهدين والقراء...إلخ. وهنا نلاحظ الحاجة إلى الكشف عن أرقام التوزيع بشفافية والتعاقد مع شركات دولية متخصصة تتمتع بالمهنية والمصداقية للتدقيق في هذه الأرقام. وهذا يعني أن سوق الإعلان في الوطن العربي بحاجة إلى دراسات وأبحاث، سواء فيما يخص ديمغرافية المستهلكين أو الفضاء الإعلامي وحجم وسائل الإعلام وأرقام توزيعها وانتشارها في المجتمع ومدى تفاعل المستهلكين مع الرسائل الإعلانية وكذلك القيم التي تحملها الإعلانات...إلخ. فالإعلان من دون دراسات وأبحاث منظمة ودورية ومنهجية علمية مخططة ومدروسة يبقى مغامرة لا أحد يعرف نتائجها وتداعياتها وانعكاساتها. كما نلاحظ، مع الأسف الشديد، غيابا كبيرا لدراسات وأبحاث المشاهدين والقراء والمستمعين وغياب كذلك دراسات الانقرائية والمقروئية في الوطن العربي. فكل وسيلة إعلامية تدعي أنها هي الأكثر توزيعا وانتشارا، لكن لا شيء يثبت ذلك. وحتى ساعات الذروة المتعارف عليها في الأوساط الإعلامية والإعلانية ليست واضحة في الدول العربية. فالإعلان الناجح هو ذلك الذي يعتمد على أرقام وإحصاءات دقيقة تتسم بالموضوعية والدقة والمصداقية. فمن خلال الأبحاث والدراسات نتعرف على الجدوى من الإعلان وعن نقاط القوة ونقاط الضعف فيه. وهذا يقودنا للتأكيد على موضوع الكفاءات والحاجة إلى تشجيع الشباب العربي على الإقبال على دراسة الإعلان والتسويق والاتصال المتكامل حتى تمارس هذه المهنة وهذه الصناعة وفق الأصول ووفق الأسس العلمية لصناعة تتميز بدورها الإستراتيجي في عملية التنمية الشاملة وفي الرشادة الاقتصادية وفي تزويد المستهلك والفرد في المجتمع بالمعلومات الضرورية للانتقاء والاختيار واتخاذ القرارات الرشيدة التي تُبنى على المعلومة وليس على الحدس والعشوائية. هذه القرارات يتخذها كل فرد في المجتمع عدة مرات في اليوم على مدار السنة. فهناك حاجة ماسة لتدريس الإعلان في الجامعات في المنطقة العربية والاهتمام بالتكوين والتدريب والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين. أما الاعتماد على الاستهلاك فقط واستخدام ما ينتجه الآخرون فهذا يؤدي، لا محالة، للتبعية والاغتراب والذوبان في الآخر وفقدان الهوية والخصوصية والمحلية. من جهة أخرى نلاحظ انخفاض الميزانيات وغياب الإحصاءات وعدم توفر الدراسات والأبحاث وغياب جمعيات الإعلان ونقابات المعلنين وغياب التدريس والتكوين في مجال الإعلان. هذه المشكلات يجب النظر فيها بجدية ومعالجتها بمنهجية للنهوض بالصناعة الإعلانية في الوطن العربي وبنائها على أسس علمية. على المختصين والمسؤولين عن الإعلان والصناعة الإعلانية في الوطن العربي أن يقفوا وقفة تقييمية نقدية مع الذات، للتفكير في سبل وإستراتيجيات ومناهج النهوض بقطاع إستراتيجي يلعب دورا محوريا على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع، وفي جميع مجالات ومناحي الحياة.