31 أكتوبر 2025

تسجيل

سوريا على رقعة الشطرنج الدولية

21 سبتمبر 2013

استوقفتني مناشدة رئيس الائتلاف السوري المعارض مجلس الأمن إصدار قرار توضع فيه سوريا تحت الفصل السابع في حال عدم التزامها بالتخلص من مخزونها الكيمائي، وكذلك الإحباط الذي خيّم على ألسنة المعارضة السورية عقب الاتفاق الروسي الأمريكي القاضي بالتأجيل إن لم يكن الإلغاء التام للضربة العسكرية الغربية، حيث منح الاتفاق الأسد قبلة الحياة وفق ما ترى المعارضة، وحمل في مضامينه التغاضي عن المطالبات بإسقاطه أو خروجه من الحكم نهاية ولايته الحالية مقابل التعاون التام في القضاء على ما لدى سوريا من مخزون القوة الإستراتيجي. الأسد يرى نفسه منتصراً والمعارضة ترى نفسها خذلت، لكن ما لا يريد الطرفان فهمه والتعامل على أساسه هو أن الموضوع السوري بات أرضاً خصبة لكلّ من الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وروسيا وحلفائها من ناحية أخرى في اختبار ما لدى كلّ طرف من أوراق في معركة صراع الإرادات في مجتمع دولي ينتقل من نظام دولي أحادي القطب إلى نظام جديد متعدد الأقطاب. سوريا اليوم أصبحت ورقة دولية في توزيع الحصص بين الولايات المتحدة غير الراغبة في البقاء في المتوسط كما كانت سابقاً وبين روسيا الطامحة عبر البوابة السورية في إثبات قدرتها على البروز كلاعب في عالم متعدد الأقطاب يتجه إليه المشهد الدولي بعد عجز الولايات المتحدة عن التفرد التام والمطلق في رسم السياسات الدولية بعد سلسلة النكسات التي تعرضت لها في القضاء على الإرهاب، واحتواء إيران، وتأخير النمو الصيني الصاعد بقوة، إضافة إلى الهند، فضلاً عن البرازيل ودول أخرى في الخلفية الجنوبية للحديقة الأمريكية. روسيا تتاجر اليوم بمهارة في سوق المضاربة الدولي، وهي تحاول أن تستعيد أمجادها القيصرية أو ما تبقى لها من إرث في زمن الإتحاد السوفيتي، مستغلة بروز قوى دولية ناشئة وصغيرة لكنها كثيرة وقادرة على إرباك النفوذ الأمريكي وعرقلته. هنا تتحدث عن دول ستشكّل صداعا مزمنا للقطب الواحد ومشروعه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وما فرضه على العالم من ثقافة قدمها على أنها آخر منجزات الإنسان العلمية، والتي هي في الحقيقة ليست إلا رؤية الرجل الأبيض في فهم الدين والدولة والمجتمع والإنسان، وما وضعه من معايير قيمية مثل معايير الحق والباطل، الخير والشر، التقدم والتخلف. ولعل من إفرازات التوافق الروسي الأمريكي إبقاء الصراع في سوريا مشرع الأبواب ومستنزف للشعب والدولة طالما أن الدمار والخراب يبقى تحت السيطرة الدولية. يضاف له ما سيفرزه الصراع إن طال أمده من تفجر الخلافات العرقية والقيميّة في المنطقة، وبالتالي سيجعلها مفتوحة على كل أبواب الانفصال والتفكك التي ستأتي على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية أو جغرافية في حين تبقى إسرائيل بمنأى عن أي تفتيت، بل إن سيناريو من هذا النوع يمنح إسرائيل فرصة للعيش ديموغرافياً لمُدد طويلة بعد أن فشلت في احتواء النمو الفلسطيني. ستصبح إسرائيل يوماً أكثر دولة لها مشروعية وسط كانتونات طائفية وعرقية لا تكاد تختلف عما يحمي الكيان الإسرائيلي بتركيبته الدينية والعرقية. الأزمة السورية عكست حقيقة الصراع الدولي، من إيران إلى العراق وحزب الله وما يطلق عليه بمحور المقاومة والممانعة إلى محور الاعتدال العربي الذي تتصدره دول الخليج المتفاهمة مع الولايات المتحدة. لقد تلقفت روسيا هذه اللحظة المناسبة من الاشتباك في الصراع لاستعادة نفوذها إما في المتوسط او في منطقة الاتحاد الأوروبي الذي لا طاقة له بالصراع مع روسيا بمنأى عن انخراطه في حلف شمال الأطلسي، ووفق النظرة الروسية الإستراتجية فإن تركيا في الأزمة السورية هي جزء أساسي من حلف شمال الأطلسي أكثر منها دولة مشرقية يحكمها إسلاميون لا يختلفون عن جماعة الإخوان المسلمين، وتربطها حدود مباشرة مع سوريا تؤثر فيها على أمنها القومي. وباختصار فإن الخاسر الوحيد في هذا الصراع هو الشعب السوري، وأن الشعب العربي برمته لا يزال أسير ما يطبخ له في الكواليس على الرغم ممّا قدمته الموجات الثورية من أمل في التحرر وخلق مجتمع يتماشى مع قيمه الأخلاقية وتطلعاته لبناء نفسه بنفسه.