20 سبتمبر 2025
تسجيلأقدم المصرف المركزي على خفض أسعار الفائدة في مبادرة لم نعتدها من قبل , فقد خفض سعر الخصم بنصف في المائدة وجاءت خطوة المصرف المركزي موفقة من حيث مواكبتها لهبوب عاصفة الديون السيادية الأوربية وتعرض قطاعها المالي لضغوط غير مسبوقة , وجاء تخفيض أسعار الفائدة الأخيرة مفاجأة سعيدة حيث ظهر فيها المصرف المركزي على غير عادته , من تفاعل مع أحداث الأسواق وتقلباتها ورد فعل موفق فالتوقيت لم يكن ليكون أفضل ففي الوقت الذي تعرضت فيه الاسواق لحالة من التوتر وعدم اليقين وهي في اشد الحاجة للدعم تقدم المصرف المركزي بخفض اسعار الفائدة مما يوفر السيولة للقطاع المالي ويدعم النمو الاقتصادي ويحصن السوق المالي والعقاري ضد أي هزات محتملة جراء تداعيات عدم الثقة والغموض الناتج عن تصدع صورة المشرع الأمريكي والذي عادة ما تعتمد عليه الأسواق العالميه في فترات الأزمات , واذا به يكون مصدر الهزات والازمات مما يزيد من مخاطر الاستثمار ويدخل المستثمرين مؤسسات وافراد في دوامة التكهنات بما هو ممكن وما هو متوقع , وتزامن ذلك مع تبعات الازمه الماليه وما أعقبها من ارتدادات سلبية ليس اقلها ازمة الديون الغربية وفي الوقت الذي يواجه العالم أزمة الديون السيادية الغربية , يظهر علينا مشهد صياغة القرار في الولات الأمريكيه بمظهر لا يليق ببعض الدول الفاشلة , مما يجعل امكانية تكرار ذلك في المستقبل أمرا محتملا وجعل الاقتصاد العالمي معرضا لاحتمالات تكرار الأزمات وتردي النمو الاقتصادي العالمي مما يزيد من التكهنات بتعرضه للركود السبب الرئيس لما تعانيه الاقتصادات المتقدمة وخاصة أوروبا وأمريكا من تفاقم العجز وفي ميزانياتها وتعرضها لتخفيض الجدارة الائتمانية , وعليه فإن اصحاب القرار في بلدان العالم لا بد أن يأخذوا تبعات قراراتهم في الحسبان قبل الاقبال على سن قوانين او وضع سياسات تكون بمثابة مسمار في نعش الاقتصاد العالمي , وفي وقت أصبح فيه الاقتصاد العالمي لا يحتمل الهزات ويرتبط ببعضه البعض لدرجة التكامل فاي اقتصاد يتعرض لأزمة سيتسبب في تدني الثقة في الاقتصاد العالمي ,فليس هنالك هامش يكفي لمناورات أو أخطاء أوقرارات غير مدروسة العواقب , ولذلك نحن في مرحله تاريخية لم يسبق لها مثيل في مدى مسؤولية كل متخذ قرار في العالم أمام دول العالم فلم تعد هنالك قرارات محلية بمعناها المتعارف عليه تاريخيا فكل قرار محلي له آثار عميقة على الاقتصاد العالمي وكلما كبر اقتصاد تلك الدولة بدت مسؤولياتها أمام العالم أكبر واعتماد دول العالم على قرارات حكيمة أكبر فليس هنالك مجال للتجربة والاختبار على حساب اقتصادات العالم والمشاكل البينية تظل محكومة بمدى تعرضها للاقتصاد العالمي , وكيفية تعامل كل دولة ومدى حساسيتها لأثر قراراتها على الاقتصاد العالمي أما أن يكسبها سمعة طيبة وأما أن سمعة سيئة وستحاسب على خشبة المسرح العالمي فتكسب قوة ناعمة تمكنها من تحقيق مصالحها او تفقد تلك القوة الناعمة وتفقد القدرة على التأثير في القرارات العالمية , فكون الدولة صاحبة مسؤولية وسيمكنها من تحقيق رؤيتها وتحصل على سماع الأطراف الدولية لشكواها ومطالبها أما الدول التي ستكون مصدر اختلالات وعدم ثقة ...اذن العالم ودول أوروبا وامريكا أصبحت مهددة وعلى شفير حفرة من تلك المصائب ومثل هذا المصير تاريخيا كان يهدد الدول الفقيرة وغير المستتبة أمنيا , وتأتي خطوة المصرف المركزي في ظل تلك الظروف لتعطيه مصداقية وتعزز من إمكانيات النموا الاقتصادي في الدولة وتمنح المصرف الاستقلالية التي يحتاجها ليؤثر على رؤية الاقتصاد المستقبلية من خلال اكتساب الثقة من طرف المستثمرين لان الخطوة التي أقدم عليها المصرف المركزي لم تكن تقليدية أو مواكبة لخفض اسعار فائدة من قبل المصرف المركزي الأمريكي اوالمصرف المركزي الاوروبي فقد جاءت خطوة المصرف المركزي الوطني بشكل مستقل اعطت انطباعا بأن المصرف المركزي يملك القرار في مسائل السياسة النقدية وهذا يضفي بعد استقلالية القرار ويمكنه من التعامل مع بعض خصوصيات الاقتصاد الوطني بعيدا عن الارتباط الاعمي بالسياسات النقديه الامريكية والتي عادة ما تكون غير مناسبة لدورات الاقتصاد الوطني لاسباب عدة لا يتسع لها المجال هنا , ولذلك اصبح لدينا سياسة نقدية مرنة ... اما في الماضي فلم نملك الحد الادنى من الاستقلالية بل في كثير من الاحيان تكون ردات فعل المصرف المركزي الامريكي ليست في صالح الاقتصاد الوطني لاسباب اقلها ان اقتصادنا يعتمد على النفط والغاز في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد الامريكي للنفط والغاز لتحفيزه أي في حال ارتفعت اسعار النفط والغاز فهي في صالح الاقتصاد الوطني وليست في صالح الاقتصاد الامريكي اي ان الاقتصاد الوطني والامريكي على طرفي نقيض لذلك فلا بد ان تعكس السياسه النقديه ذلك من خلال استخدام ادوات السياسة النقدية كي تعطي نتائج في الغالب متباينة لما تتطلبه السياسة النقدية في امريكا . وبطبيعة الحال وجب وضع سياسات نقديه في معظم الأحيان تخالف السياسات النقديه الامريكيه . ولكن لم نر ذلك في الماضي وكلما طالبنا بمراجعة اهداف السياسة النقدية في الدوله كلما أوغل المصرف في صمته , لذلك فإن رؤية المصرف في شكله الجديد هي نسمة هواء نقي قد يكون السبب في ذلك هو الاتحاد النقدي ومحاولة مواكبة اسعار الفائدة في المنطقه وكانت فرصة لا تعوض من اجل تقريب اسعار الفائدة المحلية واسعار الفائده في منطقة الخليج بشكل خاص والعالم بشكل عام , او قد يكون السبب هو اعادة تنظيم المصرف ووجود مجلس اداره مكٌن المصرف من استقلالية لقرار عن سياسات الدولار النقدية , او قد يكون السببان مجتمعان , على كل حال اي كان السبب ما فى خطوة المركزى فهو مؤشر فى استقلالية القرار فيما يخص السياسة النقدية , ومواكبة ذلك للاوضاع الاقتصادية والضغوط على الاقتصاد العلمي وقراءة ذلك تستحق الاشاده , قدرة المصرف على اتخاذ ذلك القرار في وقت لم تقدم عليه المصارف المركزية يستحق خطوة ايجابية واستباق أي تبعات سلبيه لما كان يحدث في الاسواق العالميه يستحق الاشادة , وحتى لا يشط المتابعون والمهتمون من رجال مال واعمال ومستثمرين ومراقبين نرجو من المصرف المركزي تعيين ناطق رسمي يوضح توجهات المصرف دون الحاجة للتكهنات والاشاعات , الآن وقد اقدم المصرف المركزي على خفض اسعار الفائدة يبقى مؤشر الاسعار ومعدل التضخم ورؤية معدل النمو في الاقتصاد المحلي هل هناك هامش لخفض اخر وهل مؤشرات الاسعار يسمح بذلك , فلا يزال الهامش بين اسعار الفائده في الاقتصاد المحلي واسعار الفائدة في منطقة الخليج يوحي بان المصرف قادر ويحتاج لخفض اخر بمقدار اثنين الى اثنين ونصف في المائة , من ناحية ولكن معدلات التضخم قد لا تسمح بذلك حيث انها تحوم حول الثلاثة الى ثلاثة ونصف مما يعني أن المصرف سيواجه بعض الصعوبة للوفاء بالتزامه بمعايير الوحدة النقدية , واذا اضفنا على ذلك الزيادة في الاجور والتي بلغت 60%فان احتمالات زيادة الضغوط التضخمية ستكون اكبر بكثير في المستقبل المنظور , خاصه وان المستهلكين والاسر سوف تجد الفرصة لتحقيق متطلباتها المتأخرة , والمصارف ستجد نفسها في حال افضل بكثير لتحسن مداخيل عملائها وتحسن إمكانيات السداد لديهم مما سينقذ الكثير من الديون من حالة التعسر الى امكانيات سدادها , وهذا سيخلق مفارقات لن يكون المصرف المركزي بقادر على احتوائها حتى تتضح الصورة بعد فترة قد لا تكون قصيرة من اجل معرفة اثار الزيادة في الاجور واثرها على معدلات الفائدة , مما قد يؤدي الى تأخير الوحدة النقدية اذا كان توحيد اسعار الفائدة شرط ضروري لإكمال مشروع الوحدة النقدية , وإذا اضفنا لكل ذلك مشاريع كاس العالم وغيرها تزيد ضبابية امكانية الالمام بمدى تأثر الاقتصاد بكل هذه العوامل مجتمعة , وكل هذا يضع المصرف المركزي في مكان لا يحسد عليه خلال الفترة القادمة من أجل تحديد الخطوات القادمة في مسلسل السياسات النقدية . والله من وراء القصد