28 أكتوبر 2025

تسجيل

كيف استغل الاحتلال الإسرائيلي الإعلام في العدوان الأخير على غزة؟

21 أغسطس 2022

تبدأ الحروب عادة في الإعلام وبين أروقة التصريحات قبل أن تنتقل إلى أرض الواقع، ليستمر الإعلام بعد ذلك بكونه السلاح الأكثر تأثيراً في الحروب والأداة الأبرز لإدارة الحروب بين الأطراف المتنازعة. ويتعاظم دور الإعلام في الحرب لفعاليته في تحقيق مكاسب لحظية وعلى المدى البعيد أيضاً من خلال الحشد والتعبئة النفسية واستمالة الرأي العام الداخلي والخارجي وإضعاف الجبهات المضادة نفسياً بروايات وسرديات قد تكون هي الأقرب للمبالغة والتضليل. دائماً ما يجيد الاحتلال الإسرائيلي لعبة الإعلام كوسيلة حرب فعالة خلال مختلف الأحداث، خاصة في الحروب على قطاع غزة، وهذا ما نلمسه واقعاً خلال العدوان الأخير على قطاع غزة بداية أغسطس الحالي. فكيف استغل الاحتلال الإسرائيلي الإعلام في العدوان الأخير على غزة؟ إغراق إعلامي سريع: ظهر خلال العدوان الأخير على قطاع غزة استعداد الاحتلال الإسرائيلي إعلامياً بصورة أكبر مما كان عليه خلال الحروب الماضية، حيث لم تمضِ دقائق على أول قصف استهدف فيه الاحتلال القيادي في سرايا القدس تيسير الجعبري حتى انتشرت فيديوهات للحظة القصف في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية والعربية والعالمية، مُرسلةً بذلك رسائل خفية لمختلف الأطراف مفادها: الانتصار والسيطرة على الجبهة العسكرية موجهة للرأي العام الإسرائيلي المحلي، وإزالة خطر إرهابي لوسائل الإعلام العالمية كوسيلة ردع لما قد تواجهه من انتقادات في الرأي العام الغربي، وإضعاف الجبهة الفلسطينية الداخلية والزعزعة النفسية. ولم يتوقف الإعلام الإسرائيلي عند هذا الفيديو، بل قبل أن يستوعب الفلسطينيون صدمة الحدث، خاصة في وقت كانت المفاوضات حول التهدئة قائمة بين الطرفين وتحمل نتائج إيجابية، سارع أيضا الإعلام الإسرائيلي في نشر فيديوهات التعبئة العسكرية لجنود الاحتلال على حدود قطاع غزة في إشارة إلى جدية الحرب التي من الممكن أن تمتد إلى اجتياح بري. تضليل إعلامي واستمالة الرأي العام الغربي: تسارعت بعد ذلك جهود الإعلام الإسرائيلي في إغراق الإعلام بتصريحات رسمية من قادة الاحتلال الإسرائيلي – كمصادر موثوقة للإعلام الغربي – تبرر الحرب وتؤكد على أن أهدافها محدودة ولا تسعى لاستهداف المدنيين الأبرياء، كما تدعي. إن من أبرز ما مارسه الإعلام الإسرائيلي من كذب وتضليل إعلامي هو تصريحات الاحتلال حول مجزرة الأطفال الفلسطينيين الخمسة الذين استشهدوا في منطقة جباليا، حيث سارع الاحتلال منذ اللحظة الأولى للقصف في تصدير رواية أن استهداف الأطفال جاء من صاروخ لسرايا القدس. ومن شأن التضليل والتصريحات الكاذبة في وقت الحدث وعدم الاعتراف بالجرائم – حتى لو صدرت تقارير تثبت عكس ما صرحوا به لاحقاً – أن تمتص الغضب من الإعلام خاصة الإعلام الغربي، لتلعب بذلك على عنصر الوقت في التخفيف من حدة الحدث وما قد يسببه من ضغط خارجي عليها خلال الحرب. وهذا ما مارسه الاحتلال أيضاً في قضية الراحلة شيرين أبو عاقلة من خلال الادعاء بأنها استهدفت برصاص فلسطيني في محاولة أيضاً لخلق ضعف في الرواية الفلسطينية وخلق رواية مضادة خاصة في الأوساط البعيدة جغرافياً وإعلامياً عن طبيعة الحدث الأصلي وكسب مزيد من الوقت لامتصاص الغضب. إن الدهاء الإعلامي والسرعة في الرصد والنشر والتصريح قبل أن تبدأ الحرب يقف وراءها رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يائير لابيد، الذي يجيد حرب الإعلام ربما أكثر من الحرب العسكرية لكونه صحفياً سياسياً قبل أن يكون عسكرياً. الدعاية الانتخابية: السبب الأبرز الذي اتفق عليه معظم المحللين السياسيين في تفسير العدوان الأخير على قطاع غزة هو قرب انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وهو عامل لا يمكن إغفاله خاصة مع ربط مواعيد الانتخابات السابقة بمواعيد الحروب على قطاع غزة. يعتمد السياسيون الإسرائيليون في دعاياتهم الانتخابية وكجزء من حملاتهم الإعلامية على قدرتهم على إحراز نصر من خلال شن حروب على قطاع غزة وإبراز قدراتهم العسكرية عبر الإعلام في تدمير العدو الأبرز للإسرائيليين – المقاومة الفلسطينية وأهل غزة. وداخلياً، تمكن لابيد في العدوان الأخير من تعزيز فكرة هدم الآخر "الفلسطيني" لدى الإسرائيليين وخلق رأي عام داخلي متعطش للدماء، وحقق نصراً داخلياً أيضاً في قدرته على تحييد حماس من الصراع وسلط الضوء على عدو جديد للإسرائيليين "الجهاد الإسلامي وجناحه العسكري سرايا القدس" وصوّر من خلال إعلامه أنه استطاع إحراز خسائر كبيرة باستهدافه قادة وأماكن عسكرية مهمة. وبالفعل، ووفقاً لاستطلاع رأي نشرت نتائجه قناة كان الإسرائيلية، تقدم حزب "هناك مستقبل" الذي يقوده لابيد بمقعدين ليحرز بذلك تقدماً سياسياً بعد حرب إعلامية وعسكرية.