15 سبتمبر 2025
تسجيلالأمانة التاريخية مطلوبة عند البدء بهذا المشروع الوطني الضخم لخدمة الأجيال ودون تزييف للحقائق.. قد تكون مسألة كتابة التاريخ من جديد لدول الخليج العربي مسألة مهمة في هذا التوقيت، خاصة أن تاريخنا الحقيقي لم يوثق بشكله المطلوب، ومن هنا فإنه بات من الضروري التوجه نحو هذا الشيء، ومنه بكل تأكيد تاريخنا السياسي وتاريخ الغوص على اللؤلؤ وحقبة اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الذي قضى على بيع اللؤلؤ الطبيعي، وتسبب في نشوب أزمة مالية عالمية في العشرينيات وكذلك في الأربعينيات القرن الماضي عندما حلت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) بجانب انتشار بعض الأمراض والأوبئة التي قضت على الآلاف من أهل الخليج في تلك الحقبة التاريخية من تاريخ الخليج منذ مطلع القرن العشرين . وبالأمس كنت في زيارة خاصة لمؤرخ الكويت الكبير سيف مرزوق الشملان برفقة ابني الكبير (صباح الكواري) والأخ العزيز (فيصل أحمد الشملان) والباحث في التراث الكويتي (جابر عبدالله)، حيث التقيت به في " ديوانية الشملان " التي يعرفها القاصي والداني في الكويت ومنطقة الخليج والتي أنشئت سنة 1859 م في الكويت وتم تجديدها في سنة 1918 م وأسسها حسين وشملان بن علي بن سيف الرومي، حيث التقيت بالمؤرخ الكريم الذي تقدمت به السن واقترب عمره اليوم من سن التسعين فهو من مواليد عشرينيات القرن العشرين (1344هــ ــ 1926)، وهو ما زال يتمتع بصحة جيدة وبذاكرة ما زالت تحمل الحب والعشق لوطنه الكويت، ولدولة قطر أيضا، بحكم ارتباط والده (مرزوق الشملان) بها والذي عاش فيها حتى وفاته حيث كان أحد أعضاء مجلس الشورى القطري في تلك الفترة . سيف الشملان سيظل علامة مميزة في تاريخ الخليج لكونه من المؤرخين الأوائل في كتابة التاريخ السياسي والاجتماعي ليس في الكويت فقط، بل تعدى الحدود ليكتب عن دول الخليج العربي، وما كتابه القيم والمهم " تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي " إلا علامة بارزة في تدوين وتوثيق حياة الغوص والأسفار في دول المنطقة . ولعل أهم مؤلفات المؤرخ الكويتي الكبير سيف مرزوق الشملان: من تاريخ الكويت، وتاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي، والألعاب الشعبية الكويتية من حرف الألف إلى الذال، وغيرها . لقد تطرق حديثي مع المؤرخ الشملان إلى عدة جوانب منها أهمية الكتابات التاريخية عن تاريخ الغوص على اللؤلؤ والتاريخ السياسي لدول الخليج الذي لابد أن يكتب بشكل جديد يختلف عن السابق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لابد من اجتهاد الجهات الثقافية والفكرية في دول الخليج في توثيق هذا التاريخ الذي يجب أن يسهم في كتابته الجميع سواء من قبل المفكرين وأساتذة الجامعات أو المؤسسات الثقافية حتى يصل هذا التاريخ إلى جيل اليوم بالصورة الصحيحة، لكي يستلهم أبناؤنا تاريخ الآباء والأجداد ويستلهمون منه عبق التاريخ وما قدمه القدماء لهذه الأرض من خدمات جليلة، نظير ما ذاقوا من تعب في سبيل البحث عن لقمة العيش عبر البحار . ومن هنا فلابد من حث مؤسساتنا الأكاديمية والثقافية في البحث عن مجالات أوسع وأشمل في كتابة التاريخ من جديد وبخاصة كتابة تاريخ الغوص على اللؤلؤ، خاصة أن الكتابات السابقة التي تناولت هذه الحقبة التاريخية من حياة الإنسان الخليجي ما زالت تفتقد إلى الكثير من المصادر والمعلومات وهي فترة مهمة سبقت اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي وتصديره بعد ذلك في فترة الأربعينيات من نفس الحقبة التاريخية . ما زلت أعتقد أن الفترة التاريخية لدول الخليج العربي ما زالت تحتاج لمن يكتشف تلك الحقبة بفصولها التاريخية التي ما زالت غائبة عنا بما يمكن أن تتضمنه من وثائق ومخطوطات ورسائل وكتب غير منشورة حتى الآن، لكونه سوف يساعد على زيادة الإنتاج البحثي والدراسي في مجال التاريخ السياسي والاجتماعي لدول المنطقة خلال القرنين الماضيين على وجه الخصوص . فدول الخليج العربي بمؤسساتها الثقافية والأكاديمية ومراكزها البحثية مطالبة بالتوجه نحو هذا الميدان من خلال تسخير جميع الباحثين وتوفير الدعم المادي لإنجاز هذه المهمة التي قد تكون صعبة في بدايتها ولكنها ستكون مفيدة وإيجابية على دول المنطقة إذا شرعنا بمثل هذه الخطوة الرائدة لخدمة دولنا وتغذية الجيل والجيل القادم بهذه المادة البحثية الحيوية من تاريخنا الذي ما زال يبحث عما هو جديد . ما نتمناه بالفعل هو أن يتم أخذ هذا المقترح وأن نترجم الأقوال إلى أفعال، لأن التاريخ لا يتوقف عند فترة محددة، بل هو مسيرة متواصلة يجب أن يربط بالماضي ويوثق بتاريخ الحاضر معا ليتعرف المجتمع على جوانبه التاريخية المهمة وما ورد فيها من أحداث ووقائع ومواقف علينا أن نستفيد منها قدر المستطاع، وبخاصة تلك الحقبة التي عاشها الأجداد في مجتمع الغوص على اللؤلؤ بحثا عن قوتهم في غياهب البحر ومتاهاته . سيبقى سيف مرزوق الشملان علامة بارزة لن ينساها أهل الكويت ولا أهل الخليج العربي لكونه من المؤرخين الأوائل الذين انبروا لكتابة هذا التاريخ بكل شجاعة في فترة لم يكن الاهتمام ينصب في تدوين وتوثيق التاريخ الاجتماعي والسياسي بسبب ابتعاد الكثير من الباحثين عن هذا المضمار المحفوف بالحساسية التي كانت وما زالت سائدة عند كتابة التاريخ الحقيقي للمنطقة، خاصة أن الإنسان الخليجي خاض غمار الحياة قبل اكتشاف النفط في فترة انتشر فيها القحط والفقر، بجانب الجوع الذي خيم على دول الخليج مع اندلاع الأزمة المالية التي حدثت حوالي 1928 / 1929 وهي الفترة التي تم فيها اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الياباني على يد ملك اللؤلؤ (ميكي موتو) الذي قضى على اللؤلؤ الطبيعي بهذا الاكتشاف، فتفاقمت الأزمة المالية والمعيشية في دول الخليج العربي، وبعد ذلك حلت الأزمة المالية الثانية التي قصمت ظهر البعير وحلت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 1939 / 1945 حيث توقف النشاط الاقتصادي لدول العالم، وهو ما انعكس سلبا على دول الخليج العربي فحل التقشف وقلت الموارد وانتشر الشح بين الدول والمجتمعات، فظهرت " سنة البطاقة " التي كانت أكياس الطعام توزع على البيوت في كل دول الخليج عن طريق البطاقة مثل توزيع " العيش والسكر والقهوة والطحين .. وغيرها " . ** كلمة أخيرة : إعادة كتابة التاريخ من جديد لدول الخليج العربي يتطلب تكاتف جميع الجهات الأكاديمية والثقافية لإخراج هذا التاريخ بصورته الصحيحة إلى النور لكونه لم توثق ولم تدون فصوله بعد بالشكل الذي نتمناه.