19 سبتمبر 2025

تسجيل

إنك لن تستطيع معي صبرا

21 أغسطس 2016

في قصتهما الكثير من الدروس، رغم أنها اقتصرت على حوادث ثلاث فقط، لكن في مجمل حكاية النبي موسى والخضر عليهما السلام، التي جاءت ضمن قصص سورة الكهف العظيمة، الكثير مما يمكن تأملها والاستفادة منها. وأحد الدروس المستفادة التي سنقف عندها قليلًا، درس الصبر في طلب العلم، أي علم، ديني كان أم دنيوي. فالتعجل والسرعة أمران يعملان على النقيض مع طالب العلم، الذي باستعجاله، لن يتمكن من التحصيل المطلوب والفهم المرغوب للعلم الذي يبحث عنه. سأل موسى عليه السلام الخضر بعد أن التقى به عند مجمع البحرين، أن يتبعه بقصد أن يتعلم منه بعض علمه، فكان الرد الفوري من الخضر عليه السلام: إنك لن تستطيع معي صبرا، ولم يقل إنك لن تفهم ما سأقوم به لتعليمك، ولم يقل إنك لم تصل إلى السن المطلوبة لمثل العلم الذي تطلبه، ولم يسأله الأجر والثواب نظير ما سيقوم بتعليمه من علم، بل على الفور وضعه أمام الأمر الواقع، الصبر والتصابر على تحصيل العلم. طالبه بالصبر بعد أن رأى علامات السفر على موسى وتلهفه للتحصيل، إذ إن هذا لا يفي بالأمر ولا يمكن أن يتم التحصيل، فالثبات والاستقرار من عوامل طلب العلم بالإضافة إلى الصبر. ولكن رغم ذلك، وافق الخضر بعد أن شرط شرطًا واحدًا لا غير على موسى عليهما السلام، ألا يسأل أو يستفسر عما يقوم به، وجرى الاتفاق على هذا الأساس. في أول حادثة وقعت لهما، نسي موسى الشرط، فاستغرب واستعظم فعل الخضر بالسفينة وإتلاف جزء منها، فهذا في نظر النبي موسى أنه إفساد ولا يجب أن يقع، ولأنه نبي مصلح وصاحب فطرة سليمة، لابد أن يعترض ويوقف هذا الأمر، لكن الخضر ذكّره بالشرط والعقد، فتذكر واعتذر. وهكذا دار الأمر بينهما في ثلاث حوادث، أنهت العلاقة بينهما سريعًا، وكذلك سيكون الأمر مع كل عجول لا يصبر على شدائد الأمور، وأحسبُ أن تحصيل العلوم، واحدة من تلك الشدائد الحياتية العديدة.