13 سبتمبر 2025

تسجيل

"قنا غيت" والدبلوماسية المارقة

21 يوليو 2017

بدأت الحقائق تظهر واحدة تلو الأخرى وبدأت الأقنعة تسقط وأصبح العالم بأسرة على دراية بألاعيب دول الحصار وممارستها الصبيانية التي باتت تدهش الكبير قبل الصغير والصديق قبل العدو. كيف لا والعملية بدأت بجريمة إلكترونية يعاقب عليه القانون الدولي، كيف لا ودول الحصار تقدمت بمطالب كانت مجالا للسخرية والاستهزاء من قبل السياسيين والمختصين والرأي العام في جميع أنحاء المعمورة، مطالب وجدت لها مبررا لا يصدقه حتى أكبر الجهلة. العملية بدأت بقرصنة وكالة الأنباء القطرية "قنا" وتنسيب تصريحات لسمو الأمير استُعملت كمبرر لفرض الحصار غير القانوني وغير الإنساني في عز رمضان ضد قطر وشعبها. ورغم تكذيب رسمي من قبل السلطات القطرية إلا أن دول الحصار ومن خلال وسائلها الإعلامية المختلفة استمرت في تصديق الأكذوبة وأبدعت في التلفيق والتضليل والتشويه والحرب النفسية. والذي يكذب ويغش وينافق فمآله بطبيعة الحال هو الفضائح، حيث سيأتي اليوم الذي تنجلي فيه الحقيقة. فيوم بعد آخر تنكشف عمليات التضليل والتشويه والتلاعب المستخدمة من قبل دول الحصار لإقناع أنفسهم وشعوبهم والمنظومة الدولية والعالم على أن قطر دولة تمول الإرهاب وتشكل خطرا على دول مجلس التعاون ودول المنطقة. ويبدو أن دول الحصار تجاهلت أنه لا نستطيع أن نقنع الآخر أيا كان بالغش والكذب والتزييف والفبركة والتشويه والشائعات ولا نستطيع أن نغطي الشمس بالغربال. وما تجاهلته دول الحصار هو أن القوى العظمة باستخباراتها القوية كشفت هذه الأيام للعالم وبالأدلة الدامغة أن السعودية هي التي تمول الإرهاب وأن دولة الإمارات هي التي ترحب بعمليات تبييض الأموال في بنوكها. كما أكدت الخارجية الأمريكية لمن ما زال يفند ويكذب أن الإمارات وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية وذلك بعد تعاقدها مع شركة متخصصة في القرصنة. فكيف تسمح دول الحصار لنفسها القيام بجريمة إلكترونية وبذلك تفقد سمعتها ومصداقيتها أمام شعوبها وأمام دول المنطقة ودول العالم والمنظمات الدولية؟ كيف تسمح هذه الدول لنفسها أن تنسب لأمير قطر تصريحات لم يدل بها. هذه الدبلوماسية المارقة التي تخترق وكالات الأنباء وتخترق الأعراف الدولية والقيم والمبادئ التي أسست عليها منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. ومنذ الوهلة الأولى لإعلان الحصار والفضائح والأكاذيب والجرائم تتوالى ضد دولة قطر. فشاهد العالم بأسرة فضائح المؤتمر الصحفي لوزير خارجية ألمانيا في الرياض حيث قوّلوا الرجل ما لم يتفوه به وزيفوا الترجمة وأجاب وزير خارجية السعودية على سؤال وجهه الصحفيون للدبلوماسي الألماني. أي دبلوماسية هذه؟ هذا الهراء والسذاجة والوقاحة على المباشر وأمام الملأ أساء لسمعة السعودية ودبلوماسيتها التي أصبحت تخترق أعراف الكياسة والإتيكيت على الهواء. المسرحية اتسعت آفاقها وسيناريوهاتها بفبركة تصريحات وأقاويل لمسؤولين عرب وأجانب لم يدلوا بها أصلا ولم يقابلوا ويواجهوا ويسألوا أصلا من قبل إعلاميين وصحفيين. فالصدمة الكبرى عاشها برلمانيون ألمان عندما نسبت لهم تصريحات لم يدلوا بها. ولا ننسى أن ألاعيب الفبركة والتدليس والتضليل والتشويه انطلقت منذ الوهلة الأولى وأكدتها قائمة المطالب التي جاءت ضعيفة وركيكة وغير قانونية ومتناقضة وكاذبة في الكثير من فقراتها كقائمة المطلوبين ومنهم من كان بجوار ربه ومنهم من كان مسجونا في بلده ومنهم من لم تطأ قدماه أرض قطر. فالمتأمل لفصول الأزمة وأطوارها يلاحظ أنها مفتعلة ومفبركة بدأت بجريمة وتطورت في مراحلها إلى مسرحية فاشلة من دون نص ولا هدف ولا مغزى حيث كانت مليئة بالتناقضات. أولها جريمة الاختراق وثانية غياب مطالب واضحة تستند إلى حجج وبراهين وأدلة فإلى غاية اللحظة لم تقدم دول الحصار قائمة مدعمة بحجج وأدلة واضحة صريحة وقانونية يعتمدها الجميع. فالعالم بأسره ومن خلال الخبراء والمختصين عبر عن سخريته وعن هشاشة وضعف هذه المطالب التي جاءت ثلاثة أسابيع بعد الحصار وبإصرار وطلب الولايات المتحدة الأمريكية. في مناخ وجو الدبلوماسية المارقة تحاول السعودية الاستفادة من وجود رئيس جديد على رأس الإدارة الأمريكية لتحقيق مصالحها في الإقليم، وإزالة العقبات التي تعترض طريق سياستها للسيطرة والهيمنة على مجلس التعاون الخليجي وفرض رؤاها وأطروحاتها وفق ما يحلو لها، لكن ما فشلت السعودية ومن يسير في فلكها في قراءته بطريقة متأنية هو الاستفادة الكبيرة لإيران من أزمة الخليج وحصار قطر. إن انشغال السعودية ودول الخليج بالأزمة يفتح الباب على مصراعيه لإيران للتفاوض ولممارسة دبلوماسيتها بكل أريحية وبعيدا عن الضغوطات ما دام أن السعودية منهمكة في حرب ضروس في اليمن وفي أزمة معقدة في البيت الخليجي. الأمر الذي يؤدي إلى نتيجة معاكسة، حيث إنه في ظل انشغال الإدارة الأمريكية والبيت الخليجي في أزمة الحصار، تقف إيران في وضع متفوق سياسيًا، بحيث تكون بعيدة عن العداء المباشر والمناوشات المستمرة مع السعودية، بالإضافة إلى أنه يحقق لها استقرارا سياسيا في علاقتها مع البيت الأبيض، خصوصًا بعد التخوفات التي كانت تجتاحها من بعد قمة الرياض الأخيرة، مترقبة تبعات تلك القمة، الأمر الذي حول الأضواء إلى أزمة الحصار بدلًا من تسليط الضوء بشكل سلبي على سياسات إيران الخارجية، التي يراها البعض مناقضة للسياسات السعودية. وأشارت معظم التقارير إلى عدم وجود رؤية واضحة لما ستؤول إليه أزمة حصار قطر، وهذا نظرًا لتعسف المطالب الخليجية المفروضة على الدوحة، والتي تعتبر شبه لاغية بعد مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر لمكافحة تمويل الإرهاب، ويذكر أن تيلرسون قال في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "إن قطر تبدو منطقية بتوقيعها على تلك الاتفاقية"، وتعد هذه الخطوة تقدم في ظل المماطلة الأمريكية للتعامل مع الأزمة. بعد مرور الزمن والتناقضات العديدة التي تتخبط فيها دول الحصار يبدو أن الأسباب الحقيقية وراء الحصار غير معلنة، وأن حجة دعم قطر للإرهاب هي حجة واهية تبريرية لا أساس لها من المنطق والحق وإنما مجرد مبادرة دبلوماسية فاشلة ومارقة. ليس إلا. ولتعلم دول الحصار أن الدبلوماسية المارقة لا تفرز سوى الفضائح والخسائر والإهانات وأن أمريكا تدير الأزمات لكنها لا تقوم بحلها.