17 سبتمبر 2025

تسجيل

آخر القول.. هل الشعب المصري أنقص من التركي ؟

21 يوليو 2016

كثيرون راحوا يفاضلون بين الشعب التركي والشعب المصري في التعامل مع الانقلابين العسكريين في البلدين ثم انطلقوا يرفعون الشعب التركي وينتقصون المصري ثم يصمونه بعدم الولاء للديمقراطية وبعدم الوطنية وقابلية التفكك وأن من السهل استغفاله وتخويفه.. والصحيح أن نرى الصورة الإجمالية بما فيها من تشابه وتفارق.. وأقول: الانقلابان قام بهما ذات الحلف المتصهين محليا في كل بلد وإقليميا من حوله، وهما كلاهما ينتميان لذات الداعمين الخارجيين مع فارق الصراحة والوضوح في إبراز هذا الدعم تبعا للفارق بين انقلاب نجح فصاروا آباءه وانقلاب فشل فتخلوا ع عنه.فإن ذهبنا نمايز ونفاضل بين الجيش التركي الذي رفض إطلاق النار على شعبه ولم يدس رؤوسهم بجنازير الدبابات ثم قلنا إنه جيش وطني؛ وبين الجيش المصري الذي تسليحه وتنسيقه وميزانيته وتدريبه من أمريكا والذي ولاؤه لمجلس عسكري مخترق وشائه ففعل ما فعل ضد رئيسه وشعبه وبلده فإن لذلك منطقا وحقيقة؛ أما الممايزة بين الشعب التركي والشعب المصري فمن الضيم والظلم اعتبار الشعب التركي أفضل بالكلية والمطلقية، والصحيح أن شعوبنا كلها شعوب خيّرة ومستعدة للتضحية بقدر ما يمكن خديعتها وتخويفها إذا تعرضت في الحالين لذات الظروف والتجارب.وهل ننسى أن الشعب المصري اختار الديمقراطية وأنه انتخب الإسلاميين ومنحهم ثقته في خمس استحقاقات دستورية متوالية في أكثر من ستة أشهر رغم السنوات الطوال من العزل والإشاعة السوداء عليهم؛ أو ننسى أنه عندما وجد ثورته وشرعيته تسرق خرج بالملايين ونام وقام في الشوارع، ثم قدم آلاف الشهداء! يجب أن نفرق بين انقلاب فشل في تركيا فظهرت بفشله قيمة الشعب، وصمت انقلابيوه ولم يتسنّ لهم أن يبثوا دعاياتهم السوداء وأكاذيبهم الإعلامية، وبين انقلاب نجح في إسقاط الرئيس وأصمت هو معارضيه ومن يكشفون زيفه، وشغّل أجهزته الإعلامية والقضائية والأمنية ضد شعبه.كما يجب أن نفرق بين رئيس كأردوغان نجا من الانقلاب فخاطب شعبه بلسان فصيح ومنطق رصين فأثر فيهم ووجههم وحركهم، وبين رئيس كمرسي اختطف من أول يوم وحيل بينه وبين شعبه وحتى في محاكمته جعلوا له قفصا زجاجيا كي لا يسمع منه شعبه كلمة واحدة.فإذا نظرنا للأحزاب السياسية في البلدين ولا شك أن لها تأثيرها في المشهدين ففي تركيا لم نجد سياسيا واحدا ينحاز لنكاياته الفكرية والحزبية الصغيرة ليؤيد الانقلاب أو ينسى عائد الانقلاب على وطنه وتاريخه السياسي كله فكانت أحزابا ناضجة بالمعنى الوطني والقيمي والمهني (على الأقل في حدود الساعات الأولى للانقلاب) في مقابل أحزاب مصرية هي أقرب للديكورية وتستند لارتباطات خارجية أو دعم الفلول أو لسمعات تاريخية، ولكنها لم تفهم الديمقراطية كمكسب تاريخي ولم يفهموا أنهم إن خسروا جولة فإن مكتسبات الحرية والديمقراطية أكبر من الوقوف عند الذاتي الشخصي والذاتي الحزبي.. فكانت انقلابية أكثر من الذين قاموا بالانقلاب أنفسهم وانحطت نفوسهم وأفكارهم من - القادة للقاع – نحو النكايتية والتكتيكية والخؤونية واللا أخلاقية.. فإذا كان للأحزاب دور في صناعة مواقف الشعوب فإن الطبيعي أن تأتي مواقف الشعبين في المشهدين معبرة عن ذلك. من الظلم أن نساوي بين تجربتين؛ إحداهما المصرية وهي السابقة بلا نموذج تجربة أو قدوة، والأخرى التركية اللاحقة التي توفرت لها الخبرة الوقائية.. ففي مصر سهل إخراج الشعب من المعادلة فيما وجدنا أردوغان يتنبه لخطورة ذلك ويصر على الخروج للميادين والبقاء فيها حتى تم القضاء على الانقلاب.أما الأهم من كل ما سبق فهو أن الانقلاب في تركيا وقع ضد رئيس تمكن من الحكم لأربع عشرة سنة حصد فيها النجاحات السياسية والاقتصادية وجمع صورة النزاهة السلوكية والوطنية له ولحزبه ومشروعه فالتقت قلوب خصومه وقلوب مؤيديه على المصلحة إن لم تجتمع على الأيديولوجيا، في مقابل انقلاب وقع على مرسي كي لا ينجح أصلا وقبل أن يثبت في وجدان شعبه القناعة بنظافة مسلكه وحسن نيته وقدرته على الخروج بمصر من مآزقها؛ فاجتمعت كلمة أعدائه بكلمة بعض الذين انتخبوه على وصفه بالفشل.آخر القول: إذا أخذت شعوبنا فرصة تجريب الإسلاميين عشر معشار ما أخذه خصومهم؛ عند ذلك ستلتف كل شعوبنا حولهم وستقدم الغالي والنفيس في الدفاع عنهم وعن مشروعهم، ولن نكون بحاجة لإقناع أحد بأن كل شعوبنا خيّرة بذات القدر.