19 سبتمبر 2025

تسجيل

الإساءة والإحسان

21 يوليو 2015

تأمل أيها القارئ هذا الحديث القدسي: "أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إليَّ صاعد، أتقرب إليهم بالنعم، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي، وهم أحوج ما يكونون إليَّ". وصف دقيق لحالنا مع رب صبور كريم عطوف وغفور رحيم.. إنه سبحانه من يتحمل ويصبر على الإساءات الصاعدة إليه الواحدة تلو الأخرى من عباده، بغض النظر عن عقائدهم ودياناتهم، ولكن مع ذلك لا يؤاخذنا على تلك الإساءات المتنوعة بالسرعة التي نحن عليها، وهو الغني عنا والقادر على أن يفعل ما يشاء بنا. لو نتفاكر قليلاً في بعض نعم الله علينا التي لن نحصيها أبداً، وقارناها بالمعاصي والسيئات والذنوب التي نقترفها ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، لوجدنا الفرق هائلاً.. ومع كل هذا لا يؤاخذنا سبحانه بما نفعله في حقه من تقصير وتقاعس وتكاسل، ويظل سبحانه يصبر ويصبر وربما يموت الإنسان ولم تنزل بحقه عقوبة إلهية بالدنيا على ذاك التقصير أو الظلم. لكن العكس حاصل بيننا بني البشر، انظر وتأمل إلى أقرب الأمثلة إليك.. وتصور حالك في البيت ومع عيالك لو كنت صاحب عيال مثلاً وأساء أحدهم أو ارتكب خطيئة ما في حقك، فإنك ستقوم عاجلاً أم آجلاً بمعاقبته بحسب الخطأ أو الجرم والذنب الذي ارتكبه في حقك، وربما أحياناً وفي فورة غضب، تعاقبه بشكل فيه الكثير من القسوة، وكذلك ستفعل مع من يعملون تحت إمرتك إن كنت مديراً أو مسؤولاً. تخيل أيها القارئ حجم ذنوبنا ومعاصينا وجرائرنا العديدة المتنوعة في حق الله، وتصور لو أن الله يأخذنا بكل ذنب.. ما كان حالنا؟ بالتأكيد لا يسر.. لكنه سبحانه، الرحمن الرحيم، يحبنا أشد من حبنا لأبنائنا وأموالنا، ولا يحتاج هذا للتوضيح والبيان، ويصبر على عباده، ويعطينا الفرصة تلو الأخرى لنتوب ونعدل أوضاعنا وسلوكنا وأخلاقياتنا ونتقـرب إليه بالطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات، ويرسل إلينا الإشارة تلو الأخرى لنتعظ ونتوب.. منا من يتنبه ويعود إلى رشده سريعاً، ومنا غير ذلك.وما أقول هذا إلا من باب تذكير النفس قبل الغير، ومن باب الذكرى التي تنفع المؤمنين دوماً.