28 أكتوبر 2025

تسجيل

التصهين العربي وتعزيز «الأمر الواقع» الاستعماري

21 يوليو 2014

بعد الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة سنة 2009. ثم بعد الحرب الثانية عام 2012. كان التزام حماس تحديدا وفصائل المقاومة عموما بالاتفاقات التي كانت تشرف عليها مصر مثار نقد كثير ومماحكات من خصومها. كانت المماحكة الأكبر تقول إن حماس تقوم بـ "قمع" المقاومة وحظر إطلاق الصواريخ على إسرائيل وهو ما كانت تقوم به السلطة الفلسطينية عندما كانت تسيطر على قطاع غزة. وما تقوم به في الضفة الغربية الآن. عندما ترد المقاومة على العنجهية الإسرائيلية التي تريد اخضاع الفلسطينيين وإذلالهم سياسيا وعسكريا وأخلاقيا واقتصاديا وثقافيا فإن تلك المقاومة تصبح صبيانية ولا تقدر موازين القوى. وعندما تلتزم بالاتفاقات على إجحافها ورغم عدم وجود غطاء عربي لها فإنها ليست سوى نسخة من السلطة الفلسطينية. يبقى وكأن الخيار الوحيد الذي يقبله تيار التصهين العربي الراهن الذي يكاد يقف في الصف الإسرائيلي لجهة صب جام غضبه على مقاومي غزة وشعبها هو قبول الصفعات الإسرائيلية واحدة تلو الاخرى. وإدارة الخد الفلسطيني واستقبالها وتقديم الشكر للإجرام الإسرائيلي. والمعنى والترجمة السياسية على الأرض لهذا "الخيار" المطلوب هو قبول وتعزيز "الأمر الواقع" الذي خلقته إسرائيل على الأرض: احتلال من طراز "ديلوكس" تسيطر فيه على الأرض. واتحاد أوروبي يمول الاحتلال. في ما تكون قضايا السكان مسؤولية سلطة مطلوب منها قبل اي شيء آخر ان تحمي امن إسرائيل. ونقطة آخر السطر. هذا ما يريده عرب التصهين ممن صرنا نخجل كثيرا من كتاباتهم عندما نقارنها بمواقف وكتابات غربية وامريكية ترى الامور كما هي حقيقة. ولا تخلط بين الجلاد المستعمر والغاصب ومالك الآلة العسكرية الجبروتية والشعب الذي يقع تحت الاحتلال ومن حقه ان يدافع عن نفسه. وان يرفض الاحتلال والإذلال بكل الطرق. حملة المؤازرة العربية المبطنة والمخجلة للعدوان الإسرائيلي الجديد لا تقول للفلسطينين ما هو البديل. يدير العرب ظهورهم للقضية الفلسطينية ويتخلون عن أبسط أدوارهم. حتى في تنظيم حملة دبلوماسية تجمع الأصوات في الأمم المتحدة كي لا تفوز إسرائيل بنائب الرئيس في اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار. وهي الدولة الاستعمارية الأبرز في عالم اليوم. وبعد ذلك يشبعون الفلسطينيين نقد وشتماً. ما هو البديل بعد أن استنزف الفلسطينيون أنفسهم ورأسمالهم النضالي والحقوقي في عملية سلام بائسة على مدار أكثر من عشرين سنة لم تؤد إلا إلى تكريس الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وتهويد القدس أكثر وأكثر وخنق الفلسطينيين في كانتونات تمارس عليها كل أنواع العنصرية. منذ التوقيع على اتفاق أوسلو سنة 1993 وحتى الآن تضاعف الاستيطان وعدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس إلى ثلاثة أضعاف. تآكل الوجود الفلسطيني والعربي في القدس. وتلاعبت إسرائيل بكل فكرة المفاوضات عبر توليد شروط تعجيزية لم يستطع أكثر القادة الفلسطينيين اعتدالا أن يقبلها. الشيء الوحيد الذي حرصت عليه إسرائيل وأنجحته مع الفلسطينيين هو التنسيق الأمني. وهو الاسم المهذب لوظيفة القيام بالمهمات القذرة للاحتلال وهي قمع الفلسطينيين وبأيديهم لأية مقاومة يمكن أن يبديها أي طرف منهم تجاه إسرائيل. في أكثر من محفل سياسي وأمني يتبجح قادة إسرائيليون بأنه بعد سنوات من التنسيق الأمني الفعال مع أجهزة الأمن الفلسطينية التي لا تتحرك لم يتبق هناك أي مطلوب أمني على القوائم الإسرائيلية بعد أن كانت تلك القوائم تضم المئات ان لم يكن الألوف. خضع الفلسطينيون وسلطتهم للشروط والمطالب الإسرائيلية وطاردوا كل من تخول له نفسه التفكير بالمقاومة. ومع ذلك لم ترض إسرائيل. انقسموا وانشقوا على أنفسهم بسبب الإملاءات الإسرائيلية. وتحقق حلم إسرائيلي كبير بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. ومع ذلك لم ترض إسرائيل. قبلت القيادات الفلسطينية المفاوضة. ضمنيا وعملياً. شطب حق العودة للاجئين. ومع ذلك لم ترض إسرائيل. قبل الفلسطينيون. ضمنيا وعملياً. بأي شكل من أشكال الدولة يكون منزوع السلاح وفاقدا لجزء كبير من السيادة. ومع ذلك لم ترض إسرائيل. وفي كل تلك المسيرة المريرة كان الظهر الفلسطيني مكشوفاً. ولم يخرج الموقف العربي من دائرة التصريحات الجوفاء التي تعودت عليها إسرائيل. الآن انتقلنا إلى مرحلة جديدة صارت حتى تلك التصريحات الجوفاء شحيحة وخجولة. بل موجهة الى الفلسطينيين ومقاومتهم. وصارت المقالات النارية التي يكتبها عرب ضد المقاومة والفلسطينيين تعج بها المواقع الإلكترونية لوزارة الخارجية الإسرائيلية. وبقية مواقع الدعاية الصهيونية. الخيط المشترك لجحافل الناقدين هو القول بأن حماس والمقاومة هي التي استفزت إسرائيل للقيام بحربها الحالية. وهو ترداد للدعاية الإسرائيلية وبعيد عن الواقع. إسرائيل استفزتها المصالحة الإسرائيلية وتشكيل حكومة فلسطينية توافقية. وهي هددت الرئيس عباس بأنه سوف يدفع ثمنا باهظا بسببها. وبدأت بسلسلة سياسات ضد السلطة. واستفزت إسرائيل اكثر بسبب الاعتراف الضمني من قبل دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة بتلك الحكومة. لا يعني ذلك ان الحكومة التوافقية كانت ستنجز الحقوق الفلسطينية وتقوم بالمعجزات. لكنها كانت بداية لإنهاء الانقسام الذي اعتاشت عليه إسرائيل في السنوات السبع الماضية. ارتاحت إسرائيل على وضعية التشرذم الفلسطيني الذي يعزز "الأمر الواقع" التوسعي والاستيطاني. وكان سياسيوها يرددون أنهم لا يستطيعون الوصول إلى سلام مع السلطة في الضفة الغربية لأنها لا تسيطر على قطاع غزة. فلما أرادت هذه السلطة المصالحة مع قطاع غزة. جن جنون إسرائيل. الانقسام الفلسطيني هو حجز الزاوية في إستراتيجية الحفاظ على "الأمر الواقع". في ما كسر هذا الأمر الواقع وتحطيمه هو ما يجب أن يكون حجز الزاوية في أي إستراتيجية فلسطينية. في ذروة السعار الإسرائيلي على حكومة التوافق الفلسطيني وقع حادث اختطاف المستوطنين الثلاثة ثم قتلهم. وهو ما استثمرته إسرائيل إلى أقصى ما تستطيع. ومن تلك النقطة اشتغلت الإستراتيجية الإسرائيلية لإعادة الانقسام بالقوة ان لزم الأمر. وردد نتنياهو مرارا وتكرارا أنه لن يقبل من محمود عباس. عقب عملية الاختطاف. أي اعتذار سوى إلغاء المصالحة مع حماس (وهي التي لم تعلن مسؤوليتها عن الاختطاف. وليس هناك من دليل حتى الآن بأنها من قامت به). لم تنتظر إسرائيل أحدا إذ شنت عمليات قصف جوي على قطاع غزة واغتالت قيادات وقتلت مدنيين. ووضعت حماس وكل الفصائل في هناك في الموقف التالي: إما أن تديروا الخد للصفعات القادمة وتتقبلوها بكل رضا وخنوع. وتقروا بـ "الأمر الواقع" وتخضعوا له. وإما أن تردوا فتتحملوا مسؤولية ردنا الواسع بعد ذلك. في كلا الحالتين الصفعات قادمة. وإسرائيل. لهؤلاء الشامتين المقاومة لأنها وفرت مسوغا للحرب. سوف تجد مسوغات يومية لشن أي حرب. حتى لو كانت تلك المسوغات في سجلات المواليد الجدد في غزة.