31 أكتوبر 2025

تسجيل

لبنان والعودة للمربع صفر

21 يوليو 2012

هناك مثل معروف عند اللبنانيين يقول: "وين ما حبلت بتخلِّف بلبنان"، مقولة كانت تستحضر بقوة، خلال الحرب الأهلية التي شهدها لبنان التي بدأت عام 1975 وانتهت عام 1989، وإن بقيت مفاعيلها حتى اليوم. والمثل كان يضرب للتأكيد على حجم ومستوى ونفوذ التدخل الخارجي في التأثير على المسارات السياسية والعسكرية التي كانت تخوضها الأحزاب والميليشات على طول خط النار في عموم الجغرافيا اللبنانية. يستحضرنا المثل اليوم وبقوة.. فالعملية النوعية التي أودت بحياة ضباط كبار جداً في دمشق في الثامن عشر من الشهر الجاري ما لبثت تداعياتها أن ألقت بظلالها على طرابلس عاصمة الشمال اللبناني، حيث وبقدرة قادر، عادت جبهة جبل محسن - باب التبانة لتنفجر من جديد.. سقط خلالها قتلى وجرحى رغم دخول الجيش اللبناني المتمركز في المنطقة، في الأصل، على خط التهدئة.. ربما الشاهد ضعيف إذا ما وقفنا عند الربط المباشر بين دمشق وطرابلس، لكن إذا ما أخذنا، بعين الاعتبار، السيناريوهات التي يسوقها البعض في حال سقط النظام السوري، وتلك التي يسوقها آخرون، في حال بقي النظام السوري، ولم يسقط بفعل الضغط الداخلي ورديفه الضغط الخارجي نجد أن الشاهد يصبح قوياً وينطبق المثل "وين ما حبلت بتخلِّف بلبنان". في الثانية، يقول مراقبون إن بقاء الأسد وتغلبه على المحنة سيعمل على تصفية معارضيه في لبنان وسيعود إلى لبنان بأقوى وأشرس وأعمق مما كان عليه النظام خلال تواجده على مدار ثلاثين سنة في لبنان قبل أن يخرج في العام 2005 بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي الأولى، أي في حال سقوط النظام، فإن لبنان لن ينجو أيضاً، إذ لا يوجد بديل في سوريا بعد الأسد قادر على حماية سوريا، دولة موحدة متماسكة، حيث ما تلبث أن تنقسم سوريا إلى أقاليم، بناء على فرز طائفي وعرقي، وأول من سيصاب بشظايا هذا الانقسام هو لبنان الجار الصغير والضعيف للبلد الكبير المطبق عليه من محاور عديدة.. ولن يقف الأمر عند تلقي تداعيات الزلزال السوري، بل ستصبح الأرض اللبنانية مسرح نشاط الزلزال نفسه. فإذا ما حصل التقسيم، فلن تتشكل دويلاته ضمن الحدود السوري، بل ستقضم جزءاً من لبنان، والمقصود بالجزء هنا الشمال بما فيه طرابلس التي ستنضم إلى دولة علوية في الساحل قسراً عنها.. الأمر نفسه سيتكرر بين المناطق المتداخلة على الحدود التركية السورية، والحدود الأردنية السورية، والحدود العراقية - السورية، وهكذا ستتسع بقعة الزيت لتغرق الكيانات السياسية في الشرق الأوسط كله. قد يقول البعض هذا ضرب من المبالغة وقد يرد آخر: لا شيء مستحيل في هذا العصر.. فمن يعتقد أنه في سنة واحدة سيسقط بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعلي صالح، والحبل على الجرّار؟!! صحّ هذا السيناريو أم ذاك، يبقى لبنان أسيراً لأي تغيير، مهما طال أو قصر، مهما كان عظيماً أو حقيراً.. فقدر لبنان أن يبقى "ترمومتر" لأي نشاط في الشرق الأوسط.. كان هذا قدره تاريخاً وسيظل هذا قدره مستقبلاً... بمعنى آخر: سواء هلل أهل مدينة طرابلس بإطلاق الرصاص ابتهاجاً لمقتل وزير الداخلية محمد الشعار الذي أذاق أهلها فنون التعذيب خلال وجودة في طرابلس في الثمانينيات من القرن الماضي أو غيره، أو اغتاظ أهالي حي جبل محسن، بحكم البعد الطائفي لمقتل هذا الكم من أركان النظام السوري، لن يتغير شيء من قدر لبنان، لأن لبنان، شعباً وحكومات وجغرافيا، تمت قولبته في شكل المتلقي دائماً للصدمات، سواء كانت نسمات خير أو زوابع شر.. فهل سينجو لبنان من سيناريوهين لا ثالث لهما، ويولد أحدهما بموت آخر؟! في التحليل المنطقي، الجواب هو لا.. لكن هل بقي للمنطق وجود في عالمنا اليوم.. لا أظن.