15 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتفاضة الثالثة.. ومعها التحرير

21 يوليو 2011

أوهام السلام لم تعد موضع مراهنة أحد والانتفاضة الثالثة قادمة بالعودة إلى الانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين 1987 و2000 يمكن رصد ثلاثة مشتركات التقت وهيأت لهما ؛ مقدمتان هما: حالة انسداد سياسي تسبق الانتفاضة، وحالة فقدان ثقة بقدرة القيادة الرسمية على تجاوز حالة الانسداد تلك، وسبب مباشر يشكل حدث الانطلاق.. هذه المشتركات الثلاثة نجدها اليوم ماثلة في الحالة الفلسطينية الراهنة. في الانتفاضة الأولى بدأت حالتا الانسداد السياسي وعجز القيادة الرسمية قبل خمس سنوات منها ؛ منذ أخرجت قوات المنظمة من بيروت وتفرقت في الشتات وانشغلت القيادة الرسمية بأمور ليس أهمها (وربما ليس منها) الثورة، وتراجعت القضية وتأخرت في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام وصارت الدول المضيفة للشتات الثوري تتحكم في إيقاعاته السياسية والأخلاقية والإعلامية.. حتى خرجت القضية تماما من التداول الرسمي.. كانت القيادة الفلسطينية تناور وتراوح في الحديث حول فكرة مؤتمر دولي للسلام كانت ترفضه القوى الإسلامية وتراه محاولة لتقطيع الزمن والالتفاف على المقاومة والتخلي عن المسؤولية التاريخية.. ثم جاء حدث الانطلاق عندما تعمد قائد شاحنة صهيوني دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين.. فانطلقت الانتفاضة خارجة عن قرار القيادة الرسمية وعن مدى تأثيرها وعن تنظيرها لمؤتمر السلام، وهنا برزت حركة حماس كبديل وكدليل على كل هذا التطور.. وأذكر بأول تصريح للراحل عرفات بعد واحد وعشرين يوما من انطلاق الانتفاضة ومن خلال شاشة تلفزيون أبو ظبي يصف فيه المنتفضين قال فيه: (دول حبة عيال عاوزين يوقفوا في وجه المؤتمر الدولي..). في الانتفاضة الثانية كانت المرحلة الانتقالية ومفاوضاتها الماراثونية تكللت بالفشل وتجاوزت الأمد الموعود بسنتين إضافيتين بعد الخمس المتفق عليها، وساد شعور عام وعارم بالانسداد السياسي.. ومرة أخرى رأى الشعب الفلسطيني قيادته الرسمية بعد أن دخلت القفص الصهيوني قد تحجمت قدرتها وتقلصت هوامش المناورة والتحرك بين يديها وأضحت من دون بدائل.. إلا من مواصلة التوغل في عملية تسوية خاسرة والتغطي بمفردات إعلامية مبتذلة.. فاكتملت مرة أخرى مقدمتا الانتفاضة (الانسداد، وفقدان الثقة في القيادة) ثم جاء حدث الانطلاق عندما فشلت مفاوضات " كامب ديفيد الثاني " فتحرك الشعب في انتفاضته الثانية.. لكنها – وللأسف - انتهت بانقلاب القيادة الفلسطينية على ذاتها وتولد قيادة جديدة بخط سياسي لا يؤمن بالانتفاضة ولا بالمقاومة أدخل الشعب الفلسطيني ومقاومته في أتون صراع ذاتي ما لبث أن تحول إلى دموي ثم انفصال وانقسام. كل ذلك يتجمع الآن فالمقدمتان المؤديتان للانتفاضتين السابقتين هما ذاتهما تتحققان في الحالة الفلسطينية وما بقي إلا حدث الانطلاق.. فالعدو الصهيوني يتصرف متجاهلا أي اتفاقات ويتنكر لكل الالتزامات تجاه عملية التسوية والقانون الدولي، وعملية التسوية معطلة بل لم تعد قائمة سوى ما تقدمه السلطة طوعا وكرها من مقتضيات اللحاق والتعاون مع العدو، وأمريكا ومعها الغرب باتوا أكثر انحيازا ووضوحا في تبني مواقف العدو والانخراط المباشر في جهوده العدوانية، والشعب الفلسطيني يرى عباس لا يريد أو (لا يستطيع) إتمام المصالحة الوطنية، ويراه يصعد في كل مرة على شجرة " الحرد " السياسي ثم ما يلبث أن يسقط على ر أسه سقوطا مريعا. الأرجح أن يكون توجه عباس لطلب الاعتراف من الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم هو حدث انطلاق الانتفاضة فإن اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية فسيجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام رفض " إسرائيل " للقرار وسيجد سلطته عاجزة عن تجسيده على أرض الواقع، وإن لم تعترف فلأن آمال الشعب الفلسطيني في الدعم الدولي فستكون قد انهارت.. وفي الحالتين ستكون الانتفاضة هي المخرج الوحيد أو التعبير الوحيد عن الشعب الفلسطيني وحقوقه وغضبه وإمكاناته. عباس قد يتراجع عن هذه الخطوة، وهو لا يريد انتفاضة ولا يقبلها – كما يقول هو عن نفسه – وهو لا يستطيع تحمل مسؤولية إطلاق حدث بدايتها، وتركيبته الإدارية والأيديولوجية والنفسية وواقع ضغوط المال السياسي والمقايضات والتهديدات وعدم وجود إرادة حقيقية في هذا الاتجاه لدى الأنظمة العربية المؤثرة.. وهذه كلها معادلات واشتراطات غير مضمونة ولا يستهان بها ولا يجوز التغافل عنها.. لكن الحديث ليس عن برنامج سياسي ولا عن قرار يتخذه فلان أو علان.. ولكن عن انتفاضة وعن ثورة وعن حراك شعبي عام وعارم. الانتفاضة الثالثة – إن حدثت - فالمتوقع أن تكون كما كل الثورات العربية الرافعة لها والممتدة معها ؛ سلمية لا دموية، وشعبية لا نخبوية ولا رسمية، وعامة عارمة لا لفئة ولا لتيار ولا لحزب، ومن داخل فلسطين وخارجها على غرار ما كان في ذكرى النكبة وذكرى النكسة (فقد نضجت لدى بعض النظم التي كانت دائما مؤدبة جدا مع العدو وكانت حدودها معه دائما آمنة مطمئنة مصلحة تحريك هذه الحدود لتأكيد وطنيتها وتصدير الثورة الداخلية إلى ما وراء حدودها).. ذلك سيعطي الانتفاضة القادمة زخما واتساعا ووجاهة قومية وأيديولوجية وسيحشد لها الدعم الشعبي والأهلي والإعلامي وسيجعل بالتالي من الصعب بل المستحيل السيطرة عليها. آخر القول: المتوقع أن تنطلق وأن تستمر الانتفاضة الثالثة وألا تفلح الحيل والمناورات السياسية التي استخدمت في الالتفاف على سابقتيها فالشعب الفلسطيني لم يعد يرى قيادته الرسمية إلا عاجزة في أحسن الاحتمالات وأوهام السلام لم تعد موضع مراهنة أحد.. قد تتأخر هذه الانتفاضة أو تتقدم وقد تقصر مدتها أو تطول.. لكنها آتية وستتجاوز السلطة وقيادتها والانقسام ومترتباته وعملية التسوية وتهرؤاتها (.. ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).