12 سبتمبر 2025
تسجيلمن خبر عاجل إلى خبر ماضٍ بين ليلة وضحاها هو غالبا ما يكون حال الاهتمام والتغطية الإعلامية للأزمات الإنسانية، بالرغم من امتدادها وازدياد الاحتياجات الإنسانية. ومع مرور عامل الزمن، يتلاشى الاهتمام وغالبًا ما تقع هذه الأزمات في خانة النسيان وبالتالي تزداد التحديات التي تواجه الأفراد الذين أجبروا على الفرار من ديارهم ونزحوا قسرًا مع انحسار الدعم. لقد شهدت الأعوام الماضية تزايدا مؤسفا في النزاعات والأزمات التي دفعت بالملايين من الأبرياء إلى الفرار بحثا عن الأمن والأمان، معها ازدادت مسؤولية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووسعت نطاق عملياتها الميدانية لتقديم الاستجابة الإنسانية الطارئة للمتأثرين. في العشرين من شهر يونيو من كل عام، نسلط الضوء على الصمود والشجاعة والثبات الذي يتّسم به النازحون قسراً ممن اضطروا إلى الفرار من ديارهم قسرًا. يهدف هذا اليوم إلى تكريم قوتهم وتصميمهم على إعادة بناء حياتهم وتحقيق أحلامهم أينما كانوا لبناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم. مع ذلك، وعلى الرغم من الجهود المستمرة والمساعدات الإنسانية، لا يزال عدد اللاجئين والنازحين في العالم يتزايد وتزداد معه الحاجة لتقديم الدعم. أدى الصراع في أوكرانيا، والذي يمثل أحد أكبر وأسرع أزمات النزوح القسري منذ الحرب العالمية الثانية، إلى تفاقم أزمة النزوح العالمية، مما أدى إلى ارتفاع عدد النازحين قسرا إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، مع وجود أكثر من 5 ملايين لاجئ طلبوا الأمان خارج أوكرانيا ونحو 7 ملايين شخص نزحوا داخليًا، فتخطى عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من ديارهم ال 100 مليون شخص حول العالم لأول مرة في التاريخ وهو رقم قياسي لم نرغب في تحقيقه يوما. ومع اضطرار أكثر من 1٪ من سكان العالم على الفرار، وفي ظل غياب الحلول المستدامة للأسباب التي تؤدي إلى نزوحهم، سيُوسم القرن الحادي والعشرون بعصر الهجرة القسرية، نظرًا للتزايد المستمر في عدد الأشخاص الذين اقتلعتهم النزاعات من جذورهم. وتتحمل الدول النامية المسؤولية الأكبر عندما يتعلق الأمر باستضافة اللاجئين، حيث تستضيف الدول منخفضة ومتوسطة الدخل الغالبية منهم (83٪). كما يدفع الأطفال ثمنًا باهظًا، حيث لا يزالون يتضررون ضررًا كبيرًا من النزوح القسري، ما يعرّض مستقبلهم بالكامل للخطر. 2022 هو عام آخر من الأزمات المتعاقبة، جديدة وقديمة امتدت وحالة طوارئ مناخية توازيها احتياجات انسانية متزايدة، فللحروب والأزمات وتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي أثر كارثي على حياة الأشد ضعفًا من النازحين واللاجئين إضافة إلى التحديات المالية والاقتصادية الناتجة عن الجائحة والتي تستمر بالضغط على اللاجئين والنازحين الأكثر عوزًا، في عالم يواصل مسيرة التعافي. فعلى سبيل المثال، إحدى أقدم الأزمات القائمة أفغانستان التي عانت من صراعات متتالية طيلة عقود من الزمن. فدفعت الأزمة الإنسانية المستمرة في أفغانستان حوالي 2.3 مليون شخص إلى البحث عن ملاذ في الدول المجاورة و3.5 مليون آخرين للنزوح داخل البلاد، تشكل النساء والأطفال 80٪ منهم، ويعتمد أكثر من نصف السكان حاليًا على الدعم الإنساني الأساسي المنقذ للحياة. كما تشهد أجزاء أخرى من العالم حركة نزوح استثنائية بسبب الصراعات المستمرة والمتزايدة وندرة الموارد والصدمات المناخية. فنجد أن 95٪ من جميع حالات النزوح التي سببتها النزاعات الداخلية في عام 2021 حدثت في بلدان معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، ما يستمر في خلق مستقبل محفوف بالمخاطر للسكان في جميع أنحاء أفريقيا. يواجه حاليًا ملايين اللاجئين وطالبي اللجوء في القارة، الذين سبق ويعانون من العديد من الصراعات والعنف في مناطق مختلفة، واقعًا قاسيًا بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الناجمة عن النزاعات والكوارث الطبيعية كالأعاصير والفيضانات والتي أثرت سلباً في الوصول الآمن إلى الخدمات الأساسية. فتواجه المجتمعات النازحة التي تعيش في مناطق معرضة لتغير المناخ تهديدات تمس استقرارها وسبل عيشها، وتدعو المفوضية إلى تكثيف الجهود المبذولة للتخفيف من انبعاثات الكربون ودعم سبل التكيف وبناء دفاعات لمن هم الأكثر تضرراً من أزمة المناخ ولتجنب العواقب الوخيمة التي قد تطول الملايين. وتعاني بدورها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نصيبها المؤسف من الأزمات. فقد سبّب الصراع المستمر منذ 11 عامًا في سوريا وأكثر من سبع سنوات من الصراع في اليمن بتدمير ملايين الأسر، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. وتواجه المنطقة أسوأ عام لجوء لها حتى الآن، حيث يوجد حوالي 4.4 مليون يمني نازح قسرا وأكثر من 13.3 مليون سوري نازح قسرا، منهم 5.7 مليون لاجئ تستضيفهم البلدان المجاورة لسوريا والتي تعاني بدورها من أوضاع اقتصادية صعبة. تدعو هذه الأرقام للقلق، فهي تمثل الأمهات والآباء والفتيات والفتيان وكبار السن الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب دون أي خطأ من جانبهم. الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نتمسك بالتزاماتنا لضمان وضع حلول مستدامة وعملية لمعالجة الأزمات المختلفة. فما يريده معظم اللاجئين هو العودة إلى ديارهم، ولكن بدون الإرادة السياسية لصنع السلام سيظل احتمال عودة أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ديارهم في المستقبل القريب أمرًا صعب تحقيقه. على المجتمع الدولي معالجة الأسباب الجذرية التي تجبر الأبرياء على الفرار مع الاستمرار في تقديم المساعدة الحيوية والدعم لأكثر الفئات ضعفًا لضمان حصولهم على الخدمات الأساسية والعيش الكريم. الجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من التحديات الهائلة، كانت دولة قطر من أولى الدول التي قدمت الدعم المستمر ولعبت دورًا رئيسيًا في تقديم المساعدات الإنسانية العالمية. بفضل التمويل المرن المتعدد السنوات، تساعد قطر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على مواجهة الحالات الطارئة في الوقت المناسب واستخدام الأموال حيثما تشتد الحاجة إليها. كما دعمت دولة قطر ومؤسساتها التنموية والإنسانية مجموعة واسعة من برامج المفوضية في جميع أنحاء العالم، حيث وفرت التعليم والرعاية الصحية والمأوى والمساعدات النقدية والشتوية للفئات الأكثر ضعفًا في أفغانستان وبنغلاديش والعراق والأردن ولبنان وماليزيا وغيرها من الدول. تفخر المفوضية بالشراكة القوية التي تربطها بدولة قطر ومؤسساتها التي دعمت عملنا بسخاء لأكثر من عقد من الزمان وما زالت. تعدّ الشراكات القوية مثل تلك التي تم تطويرها مع دولة قطر ومختلف مؤسساتها المتخصصة ذات أهمية قصوى لأنها تتيح لنا تطوير وتنفيذ مشاريع هادفة وذات تأثير كبير. فلم تعد الجهود الفردية كافية لضمان قيامنا بحماية ومساعدة جميع السكان المتضررين وإيجاد الحلول لهم. التخفيف من معاناة ملايين اللاجئين والنازحين حول العالم منوط بخطط الاستجابة العملية التي تركز على احتياجات الأشخاص المعنيين وتمكّنهم من إعادة بناء حياتهم. فلننتهز هذه الفرصة للتضامن مع العائلات النازحة على صمودها ومثابرتها. يستحق هؤلاء النساء والرجال والأطفال فرصة في حياة عادلة والتعليم ورعاية صحية مناسبة وفرصة لتحسين حياتهم. لنقف معًا ونرفع أصواتنا تضامنا مع أولئك الذين أجبروا على الفرار، في يوم اللاجئ العالمي هذا وفي كل يوم من أيام العام. ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دولة قطر