27 أكتوبر 2025
تسجيلأيام قلائل تفصلنا عن أهم وأبرز وأكثر انتخابات مثيرة مرت على تركيا الدولة والشعب، منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية بدايات القرن الفائت. الانتخابات القادمة التي سترسم ملامح الدولة التركية الجديدة، إن صح وجاز لنا التعبير، ستكون أشبه باختبار جدي للشعب التركي، لمعرفة مدى قدرته ووعيه ونضجه لاختيار ربان سفينة بلدهم، في ظل محيط هائج هادر، ووسط مؤامرات أو ترتيبات أو تنسيقات ظاهرة وباطنة، من القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، لتوجيه هذا البلد المحوري نحو طريق أشبه بما تم رسمه لها منذ معاهدة لوزان عام 1923.. تركيا عادت مرة أخرى لتكون دولة محورية في المنطقة وذات ثقل ووزن استراتيجي، وأضحى الاصطفاف أو التحالف معها مكسباً للمتحالفين مثلما هو مكسب لها أيضاً.. وما النمو الاقتصادي المتصاعد والمشهود لتركيا خلال عقد واحد من الزمن، إلا دليل على تصاعد أهمية وثقل هذه الدولة، وهو مكسب للأمة المسلمة بشكل عام، هذا إن كانت بالنفوس المسلمة بقية روح مشتركة، تدعو للمحافظة على هذا المكسب.. فقد طال الزمن على الأمة المسلمة، لم تشهد خلاله انجازات ملموسة. حيث انشغلت أو تم اشغالها بصورة وأخرى بمشكلات وأزمات لا تكاد تخرج من واحدة إلا وأخرى بالانتظار، وما يحدث لتركيا اليوم من تربص البعض القريب والبعض الغريب البعيد، يستدعي التنبه السريع إليه والوقوف معها، فما زال الغرب تحديداً يحتفظ في ذاكرته بصورة الجيوش العثمانية وهي تصل إلى عمق أوروبا، وما زال يتذكر قوة وعظمة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت مساحات شاسعة من آسيا وأوروبا لأكثر من خمسمائة عام.. تلك المشاهد لا تسر الغرب كثيراً، على الرغم من أن تركيا اليوم عنصر فاعل مؤثر في حلفهم المسيحي العسكري. وأحسب أن رؤية دولة مسلمة جارة لأوروبا وقد أوشكت على أن تكتفي وتعتمد على ذاتها في كثير من المجالات، ليس بالأمر الهين الذي يمكن غض الطرف عنه، حتى وإن أبدى الغرب ظاهرياً أنه على ما يرام! منذ قيام جمهورية تركيا عام 1924 والبرلمان يختار رئيس الجمهورية، لكن من هذه السنة سيختلف الأمر. حيث سيكون اختيار الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب، بعد أن اختار هذا الشعب في استفتاء شعبي العام الفارط، النظام الرئاسي بديلاً عن النظام البرلماني كنظام حكم للبلاد. انتخابات الرئاسة التركية هذه المرة إذن يمكن اعتبارها فصلاً جديداً من فصول بناء الدولة التركية الحديثة، واعتبارها من الفصول المشهودة لهذه الجمهورية التي بدأت فعلياً شد الأنظار إليها منذ أكثر من عقد من الزمان، وتحديداً حين جاء وظهر رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وما قام به من إنجازات لا يمكن تجاهلها، لا من الداخل التركي ولا من خارجه. أما موضوع الانتخابات التركية ونظرتنا لها في قطر، فإننا بكل وضوح ننظر للمسألة بشكل ربما يختلف عن بقية العرب. حيث اننا نثمن الموقف التركي، لاسيما موقف رئيسها السيد طيب أردوغان، حين وقف مع قطر، حكومة وشعباً في أحلك الفترات وأخطرها التي مرت على الدولة العام الفائت، ومواجهة خطر ومهدد وجودي لقطر مع بدء مؤامرة الثلاثي الخليجي وبدعم رابعهم المتمثل في النظام العسكري المصري، ووقوف تركيا إلى جانب قطر منذ الساعات الأولى للأزمة. هذا الموقف لن تنساه الحكومة القطرية ولا الشعب القطري، وهو جميل لابد أن نرده إلى الدولة التركية وزعيمها بالذي هو أجمل، وأحسبُ أن دعم الدولة التركية وزعيمها الحالي في إنجاح الحدث الأبرز في تركيا، هو موقف تاريخي يتطلبه الموقف، بعدما اتضحت كمية وحجم التنسيقات الحاصلة بين قوى عربية وغربية لبث الفوضى في هذه الدولة، وتشويه صورة زعيمها التاريخي قبيل الانتخابات. فوز الطيب أردوغان وهو الأقوى حظاً من منافسيه، سيعطي نكهة جديدة ومميزة للدولة التركية، ويضعها في قائمة الدول المؤثرة على الجوار والإقليم وصولاً الى جغرافيات أوسع وأبعد بإذن الله، ولا أظن أنه سيكون شاقاً على الأتراك في اختيار الرجل الأنسب لرئاسة دولتهم، وأحسبُ – وهو رأيي الشخصي - أنه لن يختلف كثيرون على أن الأنسب لهم للمرحلة القادمة هو أردوغان، ولا أظن سيختار التركي رئيساً غيره إلا الحزبي شديد الولاء لحزبه فسيختار مرشح الحزب.. ولكن مع كل ذلك، هو أمر في نهاية المطاف سيكون الأتراك هم الأدرى والأقدر على استشعار أهمية المرحلة التاريخية التي تمر بها بلادهم، واختيار قائدهم لهذه المرحلة الحرجة والعظيمة في الوقت نفسه، وكل دعواتنا لهم بالتوفيق والسداد.