26 أكتوبر 2025

تسجيل

تصحيح مسار الحريات في فضاء المعلومات (1-2)

21 يونيو 2018

إن حرية التعبير عن الرأي مصداق لأهم الحريات التي تفصح عن ذات الإنسان وشخصه وما يؤمن به، وهي من المبادئ الأساسية التي توضح مقدار إيمان القابضين على السلطة بحقوق الأفراد فان كانت في أفضل حالاتها فيعد هذا دليلا على ديمقراطية نظام الحكم وان كان العكس فذلك يعني اتجاه الدولة نحو  النظم الشمولية والدكتاتورية.  ويمثل العالم الافتراضي على مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وسطاً خصباً لممارسة حرية الرأي والتعبير  وأداة للاتصال والتواصل ونشر المعلومات أو تلقيها، وهو بحق أحد أهم وسائل وأدوات المجتمع المدني، بل يمكن للحكومة ان تستثمر هذه الفسحة لإحداث التغييرات الثقافية التي تستهدفها وتقضي من خلالها على السلوكيات السلبية في المجتمع، كما يمكن ان يستفيد منها الصحفي والإعلامي والمدافع عن حقوق الإنسان وتستثمر في مجال معارضة السياسات الحكومية غير المشروعة.  ويمكن الاستفادة من الفضاء السبراني في مجال مكافحة الفساد والقضاء على صور محددة من الجرائم، وفي الوقت الذي تطورت فيه هذه الوسائل ووصلت إلى ما هي عليه الآن نجد ان وسائل الرقابة والتضييق على حرية الرأي والتعبير الالكترونية تطورت هي الأخرى وأخذت ابعادا خطيرة تمثلت بوسائل للتصنت أو التجسس وانتهاك الخصوصية والاعتداء على حرية الفرد بالتفكير أو التعبير أو الاتصال بالآخرين. وتعرف حرية الرأي والتعبير على انها قدرة الشخص على التفكير وأن يقول ما يفكر به دون أي تضييق عليه، وتتمثل هذه الحرية أيضاً في القدرة على تقصي الأخبار والمعلومات وتلقيها ونشرها باي وسيلة دون التقييد بحدود الدولة الجغرافية أو غيرها، بعبارة أخرى هي قدرة الفرد على التعبير عن أفكاره ومعتقداته بحرية تامة وبالوسيلة التي يختارها، ومن مظاهر حرية الرأي السبراني ما يأتي: 1 - حرية الطباعة والنشر الإلكتروني. 2 - حرية الإعلام والصحافة. 3 - حرية الأعمال الفنية دون رقابة أو قيود. 4 - حرية التجمع السلمي. 5 - حرية التنظيم الالكتروني    فمما لا شك فيه أن الانترنت والعالم الافتراضي يمثل  قيمة كبيرة لضمان حرية الرأي والتعبير وهو عبارة عن مجتمع كبير متعدد الطوائف والأفكار وملتقى للجميع، غير ان الانترنت الآمن بات يمثل تحدياً لحرية الرأي والتعبير فكما يوجد على الانترنت أناس طيبون يتواجد المجرمون والمؤسسات الإجرامية وترتكب عشرات الجرائم من خلال الانترنت كالترويج للفكر المتطرف أو تجنيد المرتزقة والإرهابيين والترويج للمخدرات والجنس وغيرها من الجرائم الخطيرة ، فالأمر لا يخلو من خطورة على نحو ما، وما تقدم يوجد للسلطة الحاكمة الذريعة لتحاول ان تتدخل بحجة قمع الإجرام ومنع الأضرار بالغير والمصالح العامة،  وبالتالي قد تمس حريات الأفراد تحت طائلة الرقابة الحكومية للوسائل الالكترونية مما يدفعنا إلى القول بضرورة الموازنة بين ضرورات الرقابة لمنع الجريمة وحتمية توفير الحماية للحريات الشخصية اللصيقة بحق الإنسان في التعبير. أولا-  الحق في الحصول على المعلومة  ويتصل بحرية التعبير عن الرأي بالوسائل السبرانية الحق في الحصول على المعلومة لاسيما تلك المعلومات التي تتعلق بحقوق المواطنين الأساسية والأموال العامة والتصرفات التي تجري عليها والتي بطبيعة الحال تتطلب الوضوح والشفافية في العمل وبخاصة ما له علاقة بالتحصيل والإنفاق كونها مملوكة وكأصل عام أموال الشعب حيث تنص المادة (27) من دستور العراق النافذ على ان للأموال العامة حرمة وحمايتها واجبة، ومن هذا المنطق القانوني المجرد نستطيع الجزم انه من الحقوق المؤكدة للشعب ان يعلم بجرائم الفساد والمفسدين ليتسنى محاسبتهم شعبياً فهم قد خانوا ثقة الشعب التي أودعت بهم، وما تقدم لا يتحقق بلا إطلاع الرأي العام بكل الوسائل على كل ما يتعلق بعمل السلطات العامة وبدون ذلك ستبقى التصرفات الصادرة عنها مجرد أسرار لا يعلم بخفاياها إلا بعض الموظفين والمسؤولين الإداريين.  إذن نحن بحاجة إلى توافر ثلاثة عناصر (شخص عنده معلومة معينة وهو مستعد لاطلاع الرأي العام عليها، ووسط ناقل للمعلومة من الشخص الذي حصل عليها ليمكن الشعب من استقائها، وقواعد قانونية تكفل ممارسة حرية الرأي والتعبير ونقل المعلومات إلى الغير بكل حرية وبلا قيود أو معرقلات))، بعبارة أخرى نحن بحاجة إلى (مصدر للمعلومة، ووسيلة نشر، حماية قانونية للمصدر والمتلقي) وبدون العناصر المتقدمة لن تتحقق الضمانة المرجوة للحق في الحصول على المعلومات بل ستبقى دائماً سرية، فيغيب دور المجتمع والشعب في التأثير في القرار السياسي والإداري والتشريعي ويحرم الشعب من ممارسة سلطته الرقابية على نوابه وممثليه والمتحكمين بأمواله.  ويذكر ان الحصول على المعلومة من مصادرها المختلفة حق كفلته الوثائق الدولية حيث ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة (19) (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دونما اعتبار للحدود)) وتم تأكيد الحقوق ذاتها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المادة (19)، أيضا ومما تجدر ملاحظته ان العراق ملتزم بما تقدم لمصادقته على العهد الدولي بوصفه اتفاقية دولية بموجب القانون رقم (193) لسنة 1970.  بيد ان ما يحصل ويتكرر في التطبيق العملي ان كثيرا من المواطنين ممن يتمكنون من الحصول على معلومات محددة ولاسيما من الناشطين في ميدان الدفاع عن أسس المجتمع المدني ومن ثم يقومون بإطلاع الرأي العام عليها يتصدى لهم بعض السياسيين لقمع الأصوات المناهضة الرامية إلى الإصلاح بشتى السبل ويستخدمون نفوذهم للتأثير عليهم وإسكات أصواتهم بل قد يصل الأمر إلى تصفيتهم جسدياً أو التهديد بذلك، ولربما لا أكون مبالغاً ان بعض السياسيين بات متربعاً على رأس جيش من الأتباع السبرانيين والذين تتلخص مهمتهم بالترويج له بشكل مباشر أو غير مباشر والتصدي للمناوئين بشتى الوسائل غير المشروعة بضمنها انتهاك خصوصيتهم عبر التجسس أو التلاعب بالمحتوى وهو ما يعرف اصطلاحاً بـ(التهكير). ولا شك ان اعتراض ومراقبة الاتصالات الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بنحو غير قانوني أو تعسفي ومحاولة جمع المعلومات عن أصحابها تنتهك حق الخصوصية الذي كفله الدستور العراقي بالمادة السابعة عشرة، ويعد هذا السلوك منافياً لحرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة بل يتنافى مع أسس ومبادئ المجتمع الديمقراطي ، فالحق في الخصوصية بموجبه ينبغي ألا يتعرض الشخص للتدخل التعسفي في شؤونه الخاصة أو في شؤون أسرته او بيته او مراسلاته وما يؤمن به أو يعتقده صحيحاً، ونخلص مما تقدم الى ان الرقابة الشعبية لا تقل شأناً عن أي سلوك رقابي فاعل إدارياً كان أم برلمانياً أم قضائياً متى تتمتع بشروط النزاهة والاستقلال والفاعلية والشفافية التامة.