11 سبتمبر 2025

تسجيل

محمد الخضر حسين شيخ الأزهر

21 يونيو 2016

أجمع معاصروه وتلامذته من بعده على صلاحه وتقواه، وغزارة علمه ومعارفه، ومكارم أخلاقه، وإنه وقف حياته بلياليها ونهارها لخدمة الإسلام، ويدلنا على هذا الأمر إنتاجه الغزير، وعطاؤه الوفير، وسيرته العطرة. صرف اهتمامه إلى علوم الشريعة واللغة والأدب، فاعتنى بالتفسير والحديث والفتاوى والأحكام، وتحدث عن أبطال الإسلام، وترجم لهم في المقدمة: سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالح. اتخذ القرآن الكريم إماماً، والسنة النبوية قدوة، وفي هذا السبيل كانت رحلة حياته المباركة. اتخذ من الآية الكريمة: (قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانه سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَی‌ صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة:16،15 سبيله وطريقه المستقيم طوال عمره. ووجد في الكتاب المبين دستوراً حكيماً عادلاً للناس كافة، إذا اتبعوه سلموا في الدنيا والآخرة، وإن تركوه خسروا الحياتين. ووجد في النور المحمدي الذي سرى ضياؤه في الشرق والغرب وانقذ العالم من ظلمات الشرك والجهالة والفوضى إلى نور الإيمان والعلم والنظام والمثل الأعلى للهدى والهداية، والرشد والإرشاد . ترى الإمام محمد الخضر حسين وضع نصب عينيه هاتين النعمتين العظيمتين اللتين منّ الله بهما على عباده: القرآن وسيرة النبي (عليه الصلاة والسلام)، وعلى هديهما توكل على الله في رحلة الإيمان بدءا من مدينة (نفطة التونيسية) مكان ولادته وانتهاء بالقاهرة وإمامته للأزهر وانتقاله إلى الرفيق الأعلى. فقد ولد شيخنا في (16 اغسطس 1876م-26 رجب 1293هـ ) ونشأ في اسرة كريمة تعتز بعراقة النسب وكرم الأصل وتفخر بمن أنجبت من الأدباء والعلماء، وفي هذا الجو المعبق بأريج العلم نشأ (الخضر حسين): فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابه، وحصل على شيئ من الأدب والعلوم الشرعية، ثم انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة (عام 1305هـ / 1887م) وهو في الثانية عشرة من عمره، والتحق بحامع الزيتونة، وأكب على التلقي والتحصيل، وكانت الدراسة فيه صورة مصغرة من التعليم في الأزهر آنذاك، تقرأ فيه علوم الدين من تفسير وحديث وفقه وعقيدة، وعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان. تخرج محمد الخضر حسين في الزيتونة، غزير العلم فصيح العبارة محباً للإصلاح فأنشأ مجلة السعادة العظيمة عام 1321هـ لتنشر محاسن الإسلام، وترشد الناس إلى مبادئه وشرائعه. عهد إليه بقضاء (بنزت)، والخطابة بجامعها الكبير سنة (1324هـ)، لكنه لم يمكث في منصبه طويلاً، وعاد إلى التدريس بجامع الزيتونة وتولى تنظيم خزائن كتبه، ثم أختير للتدريس بالمدرسة الصادقية بتونس، وقام بنشاط واسع في إلقاء المحاضرالتي تستفز الهمم، وتنير العقول وتثير الوجدان، وأحدثت هذه المحاضرات صدى واسعا في تونس.