15 سبتمبر 2025

تسجيل

صراع مثير على الرئاسة التركية

21 يونيو 2014

انقلب المشهد التركي رأسا على عقب. فالإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو أصبح المرشح الرسمي للمعارضة التركية أو على الأقل لحزبيها الرئيسيين.من أسباب استمرار رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية في السلطة كل هذه الأعوام هو انقسام المعارضة. لا أحد يشكك بالإنجازات التي حققها على مدار السنوات الماضية ولاسيَّما على الصعيد الاقتصادي. لكن ذلك لا يفسر وحده انتصاراته النيابية والبلدية. المعارضة كانت تتوزع على ثلاث فئات رئيسية: قومية يمثلها حزب الحركة القومية وهو حزب محافظ ويؤمن في الوقت نفسه بالعلمانية ويستقطب الأصوات القومية المتشددة وحافظ في السنوات الأخيرة على نسبة ثابتة تدور حول الـ 15 في المائة من أصوات الناخبين.حزب الشعب الجمهوري هو حزب المعارضة الأكبر ويختصر في نفسه الجناح العلماني المتشدد الذي يحمل إرث الأتاتوركية. ومن أهم ثغرات هذا الحزب أنه كان عبر العقود الماضية الجناح السياسي للمؤسسة العسكرية وغير منفتح على الفئات الدينية. وأصواته تدور بحدود 25 في المائة.ليس من حزب "تركي" ثالث قوي في المعارضة. وأقول "تركي" لأن الحزب الثالث القوي هو حزب السلام والديمقراطية الذي يعكس المزاج الكردي المؤيد لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان. وهذا الحزب له خصوصية أنه يكاد لا يعتبر نفسه تركيا بل كردي حيث يفتقد لتصويت أي فئة تركية وازنة وينحصر نفوذه في الأوساط الكردية. وهو لا يستطيع أن يدعي أنه يمثل الأكراد كلهم إذ إن نسبة لا تقل عن ثلاثين في المائة من الأكراد تعطي أصواتها لحزب العدالة والتنمية. لكن أحدا لا يستطيع أن يدعي تمثيل الخط القومي الكردي سواه. قوة الحزب تقدر بـ 6-7 في المائة.وخارج هذه الأحزاب ليس من أحزاب معارضة مؤثرة وما هو موجود منها لا يتجاوز أحجامها مجتمعة الخمسة في المائة.لم تتفق أحزاب المعارضة مرة واحدة خلال السنوات الـ 12 الماضية التي ساد فيها حزب العدالة والتنمية. وفي العام 2002 لم ينل حزب العدالة والتنمية أكثر من 34 في المائة من الأصوات لكنها كانت كافية لينفرد بالسلطة في ظل انقسام المعارضة.إذا أخذنا الانتخابات البلدية الأخيرة مقياسا لشعبية أردوغان فإنه حصل على 45 في المائة. وقد تراجعت النسبة عن العام 2011 حين حصل على 50 في المائة في الانتخابات البلدية.في ضوء هذه الأرقام يتبين لنا أنه إذا صبت أصوات حزبي المعارضة، الشعب الجمهوري والحركة القومية، بكاملها لصالح أكمل الدين إحسان أوغلو فإنه سينطلق من 42-44 في المائة على الأقل في حملته الانتخابية. وهي نسبة ستقارب إلى حد ما النسبة التي سينطلق منها أردوغان المرشح المحتمل لحزب العدالة والتنمية والذي لم يعلن ترشحه بعد. وعلى هذا ستكون الأحزاب الصغيرة جدا مؤثرة جدا في تكبير حجم النسبة التي سينالها كل من المتنافسين. وهنا يتقدم الدور الحاسم لأصوات حزب السلام والديمقراطية الكردي إذ إن خياره سيحدد إلى حد كبير هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية حيث ستكون نسبة الـ 6-7 في المائة حاسمة في هذا الصدد.وهذا سيفرض معادلات جديدة في الداخل التركي. إذ إنه إذا أحس أردوغان بضرورة تأييد الأكراد له لضمان الفوز فيتوجب عليه أن يقدم تنازلات مؤلمة جدا للأكراد لجهة الاعتراف بهويتهم في الدستور والتعلم باللغة الأم في مدارسهم وإعطائهم ما يشبه الحكم الذاتي وإطلاق سراح سجنائهم وعلى رأسهم عبدالله اوجالان. وهي مطالب لا يمكن تحقيقها بهذه السهولة في فترة شهر تفصل عن موعد الانتخابات. كما أن الاستجابة لمطالب معينة قد تخسر أردوغان المزيد من الأصوات القومية التي تؤيده حتى من داخل حزبه.ولكن مفاجأة المعارضة هي في هوية مرشحها، أكمل الدين إحسان أوغلو الذي هو رفيق درب لحزب العدالة والتنمية، وإسلامي معروف بخدماته للقضايا الإسلامية ويكفي أنه كان أمينا عاما لمنظمة التعاون الإسلامي بين 2004 و2014. وهو رجل معروف على الساحة الدولية. وهو ما يتيح له أن يأخذ بعض الأصوات من قاعدة أردوغان وسيأخذ بالتأكيد جميع الأصوات الإسلامية التي تعارض أردوغان والتي ستجد فيه بديلا إسلاميا.ترشيح المعارضة القومية والعلمانية لأكمل الدين إحسان أوغلو خلط الأوراق. لذا سنشهد انتخابات رئاسية مثيرة لم تكن متوقعة على هذا النحو قبل هذا الترشيح.